فتحصل : أن التعارض يغاير التزاحم
موضوعا وحكما ولا يمكن أن يشتبه أحدهما بالآخر ، فتأمل جيدا
المبحث الثالث
يعتبر في التعارض أن لا يكون أحد
الدليلين حاكما على الآخر ، فان الحاكم إنما يثبت أو ينفي مالا يثبته دليل المحكوم
أو ينفيه ، فلا يعقل أن يعارض المحكوم دليل الحاكم ، وذلك واضح لم يقع فيه الكلام.
وإنما وقع الكلام في ضابط الحكومة.
فقيل : إن ضابط الحكومة هو أن يكون أحد
الدليلين بمدلوله اللفظي شارحا ومفسرا لما أريد من الدليل الآخر.
ولعل منشأ تفسير الحكومة بذلك : هو ما
ذكره الشيخ قدسسره في مبحث
التعادل والتراجيح ، قال قدسسره
« وضابط الحكومة أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرضا لحال الدليل الآخر
ورافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه ، فيكون مبينا لمقدار
مدلوله مسوقا لبيان حاله متفرعا عليه » إلى أن قال : « والفرق بينه وبين التخصيص
أن كون التخصيص بيانا للعام بحكم العقل الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع العمل
بالخاص ، هذا بيان بلفظه ومفسر للمراد من العام ، وهو تخصيص في المعنى بعبارة
التفسير » انتهى.
والتحقيق : أنه لا يعتبر في الحكومة أن
يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي مفسرا لمدلول الآخر وشارحا له ، بحيث يكون مصدرا
بأحد أداة التفسير أو ما يلحق بذلك ، فان غالب موارد الحكومات لا ينطبق على هذا
الضابط ، بل لم يوجد فيها ما يكون مصدرا بأحد أداة التفسير.