الحكم واقعا ، لا
لما أريد من لفظ المطلق والعام ، كما أوضحناه في محله ، وسيأتي لذلك مزيد توضيح (
إن شاء الله تعالى ).
ثم إن تصرف أحد الدليلين في عقد وضع
الآخر ، تارة : يكون بتوسعة دائرة الموضوع أو تضييقه بادخال ما يكون خارجا عنه أو
باخراج ما يكون داخلا فيه ، كقوله : زيد عالم أو ليس بعالم عقيب قوله : « أكرم
العلماء » كقوله : لا شك لكثير الشك عقيب قوله : « من شك بين الثلاث والأربع فليبن
على الأربع » وأمثال ذلك.
وأخرى : يكون
باعدام أحد الدليلين لموضوع الدليل الآخر في عالم التشريع مع بقائه في عالم
التكوين.
والقسم الأول من الحكومة إنما تكون فيما
بين الأدلة المتكفلة لبين الاحكام الواقعية ، والحكومة فيها واقعية ، وسيأتي البحث
عنها في مبحث التعادل والتراجيح.
وأما القسم الثاني منها : فهو إنما يكون
فيما بين الأدلة المتكفلة لبيان الاحكام الظاهرية ، والحكومة فيها إنما تكون
ظاهرية ، وذلك كحكومة الامارات مطلقا على الأصول الشرعية وكحكومة الأصول التنزيلية
على غيرها وكحكومة الأصل السببي على الأصل المسببي ، فان الحكومة في جميع ذلك إنما
تكون باعدام دليل الحاكم في عالم الاعتبار والتشريع ما اخذ موضوعا في دليل
المحكوم.
وذلك : لان المجعول في الامارات إنما هو
الوسطية في الاثبات والاحراز ـ على ما أوضحناه في محله ـ ولم يؤخذ الشك موضوعا في
باب الامارات ، بل الجهل بالواقع يكون موردا للتعبد بها ، فتكون الامارة رافعة
للشك الذي اخذ موضوعا في الأصول ، وكذا الأصل المحرز يكون رافعا لموضوع الأصل
الغير المحرز ، لان الأصل المحرز وإن اخذ الشك في موضوعه أيضا كالأصل الغير المحرز
، إلا أن الأصل المحرز يقتضي ثبوت المتعبد به ، فان المجعول فيه هو البناء على أحد