على الجهة الثانية
رتبة والجهة الثانية متقدمة على الجهة الثالثة كذلك.
نعم : للعلم جهة رابعة ، وهي : كونه
مقتضيا للتنجز عند المصادفة والمعذورية عند المخالفة ، وهذه الجهة إنما تكون في
عرض اقتضائه الحركة والجري العملي [١]
فالجهة الثالثة والرابعة مما يقتضيهما العلم من الجهة الثانية ، وهي : الاحراز
والكاشفية.
إذا تبين ذلك
، فنقول : إن المجعول في باب الطرق والامارات إنما هو الطريقية والكاشفية والوسطية
في الاثبات ، بمعنى : أن الشارع جعل الامارة محرزة للمؤدى وطريقا إليه ومثبتة له ،
بناء على ما هو التحقيق عندنا : من أن الطريقية بنفسها تنالها يد الجعل كسائر
الأحكام الوضعية ، بل الطريقية أيضا كالملكية والزوجية من الأمور الاعتبارية
العرفية التي أمضاها الشارع [٢]
فان
[١] أقول : وربما
يكون في باب امتثال الاحكام جهة التحريك في طول المحركية ، حيث إن العقل لا يحكم
بالحركة على وفقه إلا من جهة تنجيز الحكم به ، كما هو ظاهر.
[٢] أقول : الطريقية
بمعنى تتميم الكشف وتمامية الانكشاف المساوق لالقاء الاحتمال بحقيقته يستحيل أن تناله
يد الجعل تشريعا ، كيف! وحصر الكشف في طرف وجود الشيء ونفي احتمال عدمه الذي هو
معنى تتميم كشفه يستحيل أن يكون بحقيقته جعليا ، وإنما الجعل فيه بمعنى تنزيل
احتمال خلافه منزلة العدم ، وهذا المعنى من الجعل قابل لان يتعلق بجميع موجودات
العالم ، ولا يكون مختصا بشيء دون شيء ، وهذا بخلاف الحقائق الجعلية ، إذ هي
بحقائقها أمور مخصوصة متقومة بالجعل ، كالملكية وأمثالها ، وميزان جعلية الشيء كون
منشأ انتزاع مفهومه الذي هو عبارة عن حقيقته اعتباريا منوطا بجعله ، كما هو الشأن
في الملكية ، وهذا المعنى أجنبي عن مقام تمامية الكشف وعدم احتمال الخلاف ، فان
منشأ انتزاع هذا المفهوم ـ كمفهوم الحجر والمدر ـ ليس إلا من الأمور الواقعية ،
وإنما الجعل المتصور فيها ليس إلا في وجوداتها التنزيلية لا الحقيقية ، ولذا نقول
: إن الحجية بمعنى الكاشفية لا يكون من الجعليات إلا بنحو من العناية والتنزيل.
نعم : قد يتوهم أن الحجية
بمعنى المنجزية والقاطعية للعذر من الحقائق الجعلية ، كما هو مسلك استاذنا ، وهذا
المعنى عنده لا يلازم عناية تتميم الكشف ، ولذا لم يلتزم به حتى في الامارات فضلا
عن الأصول ، ولذا لا يلتزم بقيام الامارة مقام العلم الموضوعي مطلقا ، ولا يلتزم
بحكومة الامارات على