يوجب تتميم كشفها
وتكميل إحرازها بإلغاء احتمال الخلاف. وأما أصل الكشف والاحراز الناقص : فليس ذلك
بالتعبد ، ولا يمكن إعطاء صفة الكاشفية والاحراز لما لا يكون فيه جهة كشف وإحراز ،
فالكشف الناقص في الامارة كالكشف التام في العلم لا يمكن أن تناله يد الجعل ،
وإنما الذي يمكن أن تناله يد الجعل هو تتميم الكشف بإلغاء احتمال الخلاف وعدم
الاعتناء به.
الامر
الثالث : الامارة إنما يكون اعتبارها من حيث
كشفها وحكايتها عما تؤدي إليه ، بمعنى أن الشارع لاحظ جهة كشفها في مقام اعتبارها
، فإن ألغى الشارع جهة كشفها واعتبرها أصلا عمليا فلا يترتب عليها ما يترتب على
الامارات ، بل يكون حكمها حكم الأصول العملية ، كما لا يبعد أن تكون قاعدة التجاوز
وأصالة الصحة بل الاستصحاب في وجه من هذا القبيل ، فان في هذه الأصول جهة الكاشفية
والأمارية ، ولكن الشارع اعتبرها أصولا عملية ، كما سيأتي بيانه ( إن شاء الله
تعالى ) في الخاتمة ، فتأمل [١].
فبهذه الأمور الثلاثة تمتاز الامارة عن الأصل موضوعا.
وأما امتيازها عنه
حكما :
فهو أن المجعول في الامارات إنما هو
الجهة الثانية من الجهات الثلاث التي يقتضيها العلم الطريقي ، وهي : كونه صفة
قائمة في النفس ، وكونه كاشفا وطريقا إلى المعلوم ، وكونه محركا عملا نحو المتعلق.
فهذه الجهات الثلاث كلها مجتمعة في العلم الطريقي. والمجعول في باب الامارات إنما
هو الجهة الثانية من هذه الجهات ، وفي باب
[١] وجهه : هو أنه
يمكن أن يكون هذا راجعا إلى الاختلاف بين الامارة والأصل في ناحية المحمول والحكم
المجعول فيها ، لا إلى ناحية الموضوع ، فيكون امتياز الامارة عن الأصل موضوعا
بالأمرين الأولين ( منه ).