قد اشتهر بين المتأخرين القول باعتبار
مثبتات الامارات دون مثبتات الأصول ، خلافا لما يظهر من بعض كلمات المتقدمين ،
وتحقيق الكلام في ذلك يستدعي بيان ما تمتاز به الامارات عن الأصول موضوعا وحكما.
أما امتيازها من حيث
الموضوع فبأمور :
الأول
: عدم أخذ الشك في موضوع الامارة وأخذه في
موضوع الأصل ، فان التبعد بالأصول العملية إنما يكون في مقام الحيرة والشك في
الحكم الواقعي ، فقد اخذ الشك في موضوع أدلة الأصول مطلقا محرزة كانت أو غير محرزة
، بخلاف الامارات ، فان أدلة اعتبارها مطلقة لم يؤخذ الشك قيدا فيها ، كقول عليهالسلام « العمري ثقة فما أدى إليك عني فعني
يؤدي ».
نعم : الشك في باب الامارات إنما يكون
موردا للتعبد بها ، لأنه لا يعقل التعبد بالامارة وجعلها طريقا محرزة للواقع مع
انكشاف الواقع والعلم به ، فلابد وأن يكون التعبد بالامارة في مورد الجهل بالواقع
وعدم انكشافه لدى من قامت عنده الامارة ، ولكن كون الشك موردا غير أخذ الشك موضوعا
، كما لا يخفى.
الامر
الثاني : الامارة إنما تكون كاشفة عن الواقع مع
قطع النظر عن التعبد بها ، بخلاف الأصول العملية ، غايته أن كشفها ليس تاما كالعلم
، بل كشفا ناقصا يجامعه احتمال الخلاف ، فكل أمارة ظنية تشارك العلم من حيث
الاحراز والكشف عما تحكي عنه ، والفرق بينهما إنما يكون بالنقص والكمال ، فان
كاشفية العلم وإحرازه تام لا يجتمع معه احتمال الخلاف ، وأما كاشفية الامارة
وإحرازها فهو ناقص يجتمع معه احتمال الخلاف ، فالأمارات الظنية تقتضي الكشف
والاحراز بذاتها مع قطع النظر عن التعبد بها ، وإنما التعبد