قد تقدم أنه لا مجال للاشكال في جريان
استصحاب بقاء الحكم عند الشك في النسخ ، من غير فرق بين أحكام هذه الشريعة المطهرة
وبين أحكام الشرايع السابقة ، فكما يجري استصحاب بقاء الحكم عند الشك في نسخ حكم
من أحكام هذه الشريعة ، كذلك يجري استصحاب بقاء حكم الشرايع السابقة عند الشك في
نسخه ، وقد يمنع عن جريان استصحاب بقاء أحكام الشرايع السابقة لوجهين :
الأول
: دعوى اختلاف الموضوع ، فان المكلف
بأحكام كل شريعة إنما هو المدرك لتلك الشريعة ، والذين أدركوا الشرايع السابقة قد
انقرضوا ، فلا يجري الاستصحاب في حق من أدرك هذه الشريعة ولم يدرك الشرايع
السابقة.
الوجه
الثاني : دعوى العلم الاجمالي بطرو النسخ لاحكام
الشرايع السابقة ، فإنه لو لم نقل أن هذه الشريعة المطهرة قد نسخت جميع أحكام
الشرايع السابقة فلا أقل من كونها ناسخة لبعضها ، والعلم الاجمالي يمنع عن جريان
الأصول في الأطراف. هذا ، ولكن لا يخفى ما في كلا الوجهين من النظر.
أما
الوجه الأول : ففيه أن توهم
اختلاف الموضوع مبني على أن تكون المنشآت الشرعية أحكاما جزئية بنحو القضايا
الخارجية ، فيكون كل فرد من أفراد المكلفين موضوعا مستقلا قد أنشأ في حقه حكم يختص
به ولا يتعداه ، فتستقيم حينئذ دعوى كون الموضوع لاحكام الشرايع السابقة هو خصوص
آحاد المكلفين الذين أدركوا تلك الشرايع. ولكن كون المنشآت الشرعية أحكاما جزئية
بمراحل عن الواقع ولا يمكن الالتزام به ، فإنه يلزم أن تكون الأدلة الواردة في
الكتاب والسنة كلها أخبارا عن إنشاءات لاحقة عند وجود آحاد المكلفين بعدد أفرادهم
، وهو كما ترى!.