نعم : لا يتوقف الشك فيه على فعلية وجود
الموضوع خارجا ، فان فعلية وجود الموضوع إنما يتوقف عليه حصول الشك في بقاء الحكم
الجزئي ، وأما الشك في بقاء الحكم الكلي : فيكفي فيه فرض وجود الموضوع وتبدل بعض
حالاته ، فهذا الوجه يشارك الوجه الأول من جهة وهي كون المستصحب فيه حكما كليا ،
ويفارقه من جهة أخرى وهي توقف حصول الشك فيه على فرض وجود الموضوع ، بخلاف الوجه
الأول.
نعم : المستصحب في كل منهما لا يخلو عن
نحو من التقدير والتعليق ، فان المستصحب عند الشك في النسخ هو الحكم الكلي المعلق
على موضوعه المقدر وجوده عند إنشائه وإن كان لا يحتاج إلى تقدير وجود الموضوع عند
نسخه واستصحابه ، والمستصحب في غير الشك في النسخ هو الحكم الفعلي على فرض وجود
الموضوع وتبدل بعض حالاته ، فيحتاج إلى تقدير وجود الموضوع عند استصحابه. وعلى كل
حال : لا مجال للتأمل في صحة الاستصحاب عند الشك في بقاء الحكم الكلي في كل من
الوجهين.
الوجه الثالث :
من الوجه المتصورة في الشك في بقاء الحكم الكلي ، هو الشك في بقاء الحكم المرتب
على موضوع مركب من جزئين عند فرض وجود أحد جزئيه وتبدل بعض حالاته قبل فرض وجود
الجزء الآخر [١]
كما إذا شك
[١] أقول : قد تقدم
منا أن حقيقة الأحكام التكليفية التي هي مستفاد من الخطابات الشرعية ليس إلا إبراز
الاشتياق نحو المرام بانشاء أو إخبار ، وأن مرتبة تحريك المكلفين خارجا هو مرتبة
تأثير الاحكام في حكم العقل بلزوم الامتثال ، ومن المعلوم : أن هذه المرتبة منوط
بالعلم وقيام الطرق ، وإلا ففي ظرف الجهل لا محركية في البين ، مع أن مفاد
الخطابات مشتركة بين العالم والجاهل ، فما هو موجود في حال الجهل ليس إلا الاشتياق
المبرز ، ولا نتصور في هذه الصورة أمرا جعليا اعتباريا كسائر الجعليات ، ولذا لو
أبرز المولى إرادته بكلامه لا محيص من حكم العقل بوجوب امتثاله ولو لم يخطر ببال
المولى جعل شيء مقدر بفرض وجود موضوعه.