هذا كله في الوجه الأول من الوجوه
الثلاثة المتصورة في القسم الثالث من استصحاب الكلي.
وأما الوجه الثاني :
وهو ما إذا احتمل حدوث فرد آخر مقارنا لارتفاع الفرد المتيقن ، فعدم جريان
الاستصحاب فيه أوضح ، فان الوجه الذي تخيل لجريان الاستصحاب في الوجه الأول لا
يتمشى في الوجه الثاني ، بداهة أنه لو قلنا محالا بعدم تغاير نحو وجود الكلي
بتغاير وجود الافراد فإنما هو في الافراد المجتمعة في الوجود ، كما في الوجه الأول
، وأما الافراد المتعاقبة في الوجود ـ كما في الوجه الثاني ـ فلا يكاد يشك في
تغاير نحو وجود الكلي بتغاير وجود الافراد المتعاقبة ، فالقضية المشكوكة تغاير
القضية المتيقنة عقلا وعرفا ، فلا مجال لتوهم جريان الاستصحاب فيه.
وأما الوجه الثالث :
وهو ما إذا احتمل تبدل الفرد المتيقن حدوثا وارتفاعا إلى فرد آخر وكان محتمل
الحدوث من مراتب متيقن الحدوث ، فالأقوى : جريان الاستصحاب فيه ، وهذا إنما يكون
إذا كان الحادث المتيقن ذا مراتب متعددة تختلف شدة وضعفا ، كالكيفيات النفسية والخارجية
، فان الظن والشك بل العلم ذو مراتب ، وكذا السواد والبياض ونحو ذلك من الألوان
الخارجية ، فإذا كان الحادث مرتبة خاصة من السواد كالشديد ثم زالت تلك المرتبة
ولكن احتمل أن تكون قد خلفتها مرتبة أخرى من السواد ، فلا مانع من جريان استصحاب
الكلي والقدر المشترك بين المرتبة المتيقنة الحدوث والارتفاع والمرتبة المشكوكة
الحدوث ، فان تبادل المراتب لا يوجب اختلاف الوجود والماهية ، لانحفاظ الوحدة
النوعية ماهية ووجودا في جميع المراتب ، والتبادل إنما يكون في الحد الذي يوجب
تشخص المرتبة وتميزها عما عداها ، وإلا فالمرتبة القوية واجدة للمرتبة الضعيفة
مسلوبة الحد والتشخص ، فإذا علم بتبدل المرتبة