وأما الطهارة
والنجاسة :
فقد جعلهما الشيخ قدسسره
من الأمور الواقعية التي كشف عنها الشارع جريا على مبناه : من أن الأحكام الوضعية
لا تنالها يد الجعل الشرعي ، فهي بين ما تكون منتزعة عن التكليف كالملكية والزوجية
ونحو ذلك ، وبين ما تكون من الأمور الواقعية كالطهارة والنجاسة.
ويا ليت! بين مراده من ذلك ، فإنه إن
كان المقصود أن حكم الشارع بطهارة بعض الأشياء ونجاسة آخر إنما هو لأجل اشتمال
الطاهر والنجس على النظافة والقذارة المعنوية ، فهذا لا يختص بباب الطهارة
والنجاسة ، بل جميع موضوعات التكاليف ومتعلقات الأحكام الشرعية تشتمل على خصوصية
واقعية حكم الشارع على طبقها ، فان الواجبات الشرعية كلها ألطاف في الواجبات
العقلية. وإن كان المقصود أن أصل الطهارة والنجاسة من الأمور الواقعية الخارجية ،
فهذا مما لا سبيل إلى دعواه ، بداهة أن الطهارة والنجاسة بمعنى النظافة والقذارة
من الأمور الاعتبارية العرفية [١]
كما يشاهد أن العرف والعقلاء يستقذرون عن بعض الأشياء ولا يستقذرون عن بعضها ،
غايته أن
[١] أقول : لا إشكال
ظاهرا في أن النظافة والقذارة العرفية المحسوسة من الواقعيات وغير مرتبط بعالم
الجعل والاعتبار ، وإنما الكلام فيهما شرعا بحيث لم يكن في البين جهة محسوسة عرفية
، بل ربما تكون الحكم الشرعي. عكس ما هو محكوم عند العرف بالطهارة والنجاسة ، ولا
يبعد دعوى كونهما من الاعتباريات الجعلية بادعاء ما يراه العرف طاهرا في مورد وما
يراه العرف نجسا في مورد * وإن لم يكن كذلك في نظرهم خارجا ، إذ من الممكن دعوى أن
حكم الشارع بالنجاسة بمناط لو يرى العرف هذا المناط ليجرون أحكام نجسهم عليه ،
وهكذا بالعكس. فتدبر فيه ترى هذا المناط مصحح هذا الادعاء والجعل لا عين الطهارة
الشرعية ونجاستها كي يكونا من الواقعيات التي كشف عنها الشارع ، كما توهم ، فافهم.
* لا يخفى ما في العبارة من
الخلط ، والصحيح « بادعاء ما يراه العرف طاهرا في مورد نجسا » ( المصحح ).