قد عد من الأحكام الوضعية الصحة والفساد
، والطهارة والنجاسة ، والرخصة والعزيمة.
أما
الصحة والفساد : فعدهما من الأحكام
الوضعية إنما يستقيم على أحد المعنيين للصحة والفساد لا مطلقا. وتوضيح ذلك : هو
أنه
تارة : يراد من الصحيح كون الشيء واجدا
للخصوصية التي ينبغي أن يكون واجدا لها بحسب طبعه [١] كما يقال : إن هذا البطيخ أو الخل صحيح
، أي كون واجدا للخصوصية التي يقتضيها طبع البطيخ والخل ، ويقابله الفاسد وهو
الفاقد لتلك الخصوصية. وكذا يقال : إن هذه الصلاة صحيحة ، أي كونها واجدة للخصوصية
التي ينبغي أن تكون الصلاة واجدة لها : من الملاك والمصلحة القائمة بها ، ويقابلها
الفاسدة وهي كون الصلاة فاقدة لتلك الخصوصية.
والصحة والفساد بهذا المعنى إنما
ينتزعان عن مقام الذات قبل تعلق الامر بها ، وتكون تلك الخصوصية منشأ لتعلق الامر
بالذات ، كالخصوصية القائمة
[١] أقول : لا نعني
من الصحة إلا تمامية الشيء بلحاظ الجهة المرغوبة الشيء ، فهذه الجهة المرغوبة تارة
من الأمور الواقعية ، وأخرى من الأمور الجعلية ، فالتمامية بلحاظ الجهة الأولى ليس
إلا من الأمور الواقعية. وأما التمامية بلحاظ الجهة الثانية فلا يكون منتزعا إلا
من هذه الجهة ، لأنه لو لم يكن تلك لا مجال لانتزاع تمامية الشيء من هذه الجهة.
ثم إن الجهة تارة يراد منه
التكليف أو الوضع في أبواب المعاملات ، وأخرى يراد منه جهة مسقطية القضاء والإعادة
الذي هو يلازم الاجزاء ، وهذه الجهة أيضا لما كان دائرا مدار الوفاء بالغرض في
الجملة أو تفويته ، فلا يكون إلا من الأمور الواقعية ، كما لا يخفى. وبالجملة نقول
: إن انتزاعية الصحة وواقعيته تابع جعلية الجهة الملحوظة في التمامية وعدمه ، كما
هو ظاهر ، وحينئذ فمنع انتزاعية الصحة مطلقا لا وجه له ، كما هو واضح ، فتدبر.