الاجتناب عن بعض
أطرافه ، ويحتمل أن يكون متعلق الحادث هو الذي كان يجب الاجتناب عنه سابقا ، ومعه
لا يعلم بحدوث تكليف فعلي آخر : والعلم الاجمالي إنما يقتضي وجوب الاجتناب عن
أطرافه إذا كان علما بالتكليف [١].
وبتقريب آخر : العلم الاجمالي إنما
يقتضي وجوب الموافقة القطعية إذا كانت الأصول النافية للتكليف الجارية في الأطراف
متعارضة ، وفي جميع الفروض المتقدمة لا تكون الأصول متعارضة ، لان أحد طرفي العلم
الاجمالي لا يجري فيه الأصل النافي للتكليف ، لوجوب الاجتناب عنه على كل حال ،
فيبقى الطرف الآخر جاريا فيه الأصل النافي بلا معارض ، فلا موجب للاجتناب عنه [٢].
نعم : لو كان الموجب الحادث يقتضي أثرا
زائدا عما كان يقتضيه السبب السابق ، كما إذا كان السبب لوجوب الاجتناب عن الشيء
المعين هي النجاسة التي لا يجب التعدد في غسلها كالدم وكان الموجب الحادث مما يجب
فيه التعدد كالبول ، فالعلم الاجمالي يؤثر بمقدار الأثر الزائد ، والأصول بالنسبة إليه
متعارضة ، وسيأتي توضيحه.
هذا كله لو علم بحدوث سبب آخر للتكليف
غير ما كان سابقا. وقس عليه ما إذا احتمل ذلك ، كما إذا قامت البينة على نجاسة أحد
الانائين بلا ذكر
[١] أقول : ولو لم
يعلم بحدوث التكليف حينه ، بشهادة أنه لو حدث مثل هذا العلم مع احتمال سبق التكليف
بلا علم به فإنه يتنجز بلا شبهة ، مع أنه يصدق بعدم العلم بحدوث تكليف جديد ،
فعنوان العلم بحدوث التكليف لغو في المقام ، وتمام المدار على العلم بوجود تكليف
حين وجوده ، وهو حاصل في المقام ، فلابد من منع تنجزه من بيان آخر ، لا بهذا البيان.
[٢] أقول : وأوهن من
التقريب السابق هذا التقريب ، لان جريان الأصل في ظرف عدم جعل الموافقة والمصداق
تعبدا فرع إسقاط العلم عن تأثيره في الاشتغال ، وإلا فبعد ثبوت الاشتغال العقل
يحكم حكما جزميا بلزوم تحصيل الجزم بالامتثال وعدم القناعة بالشك فيه ، كما هو
الشأن في العلم التفصيلي أيضا ، كما تقدم. وحينئذ جريان الأصل من توابع العلم
بالانحلال لا العكس ، والفرض أن هذا العلم أيضا لا يحصل باطلاق أدلة الترخيص للدور
، كما هو الشأن في جعل البدل أيضا.