وبالجملة : لو
بنينا على عدم حجية الاستصحاب عند الشك في المقتضي بأحد الوجهين يلزم سد باب جريان
الاستصحاب في جميع المقامات ، إذا ما من مورد إلا ويشك في تحقق المقتضي بمعنى
الملاك أو بمعنى اقتضاء السبب.
فالظاهر : أنه ليس مراد الشيخ والمحقق قدسسرهما من المقتضي أحد الوجهين ، بل مرادهما
من المقتضي في تقسيم الاستصحاب إلى الشك في المقتضي والشك في الرافع هو مقدار
قابلية المستصحب للبقاء في الزمان.
وتوضيح ذلك : هو أن كل موجود وحادث في
العالم لابد وأن يكون له بحسب طبعه مقدار من القابلية والاستعداد لبقائه في سلسلة
الزمان ، بحيث لو خلي الشيء وطبعه ولم تلحقه عارضة زمانية لكان يبقى في عمود
الزمان بمقدار ما يقتضيه استعداده بحسب ما جرت عليه مشية الله ( تعالى ) ولا إشكال
في اختلاف الموجودات في مقدار القابلية والاستعداد ، كما يشاهد بالوجدان اختلاف
استعداد ذوات النفوس في بقائها في سلسلة الزمان ، فان منها ما تبقى مأة سنة ومنها
ما يزيد عن ذلك ومنها ما ينقص عنه ، حتى أن بين ذوات النفوس ما يبقى ألف سنة ، كما
يقال : إن بعض أقسام الحيتان والطيور يعيش ألف سنة ، وبينها أيضا مالا يعيش إلا
ساعة ، وكذا الحال في غير ذوات النفوس من الموضوعات الخارجية ، فان الفواكه
والحبوبات لها مقدار من استعداد البقاء على ما بينها من الاختلاف ، وكذا الأبنية ،
فان البناء الواقع في ساحل البحر أقل بقاء من البناء الواقع في مكان آخر ولو لأجل
ما يلحقه من خصوصية المكان والزمان وغير ذلك ، هذا في الموضوعات الخارجية.
وأما الأحكام الشرعية : فكذلك أيضا ،
فان لكل حكم شرعي أمدا وغاية يبقى الحكم إليها مع قطع النظر عن اللواحق والعوارض
الطارية ، فيكون مقدار قابلية بقاء الحكم في الزمان على حسب ما ضرب له من الغاية
شرعا ، غايته :