قد عرفت في الامر السابق : أن الشك في
بقاء المستصحب تارة : يكون لأجل الشك في المقتضي ، وأخرى : يكون لأجل الشك في
الرافع أو الغاية. وقد اختار الشيخ قدسسره
عدم جريان الاستصحاب عند الشك في المقتضي ، وحكي ذلك أيضا عن المحقق الخونساري رحمهالله. فقد يتوهم : أن المراد من المقتضي هو
الملاك والمصلحة التي اقتضت تشريع الحكم على طبقها [١] ويقابله الرافع وهو ما يمنع عن تأثير
الملاك في الحكم بعد العلم بأن فيه ملاك التشريع ، فيكون الشك في المقتضي عبارة عن
الشك في ثبوت ملاك الحكم عند انتفاء بعض خصوصيات الموضوع ، لاحتمال أن يكون لتلك
الخصوصية دخل في الملاك. والشك في الرافع عبارة عن الشك في وجود ما يمنع عن تأثير
الملاك في الحكم بعد العلم بثبوته ، لاحتمال أن يكون لتلك الخصوصية المنتفية دخل
في تأثير الملاك ، فيكون الشك في بقاء علم زيد مثلا من الشك في
[١] أقول : ما أظن
أحدا يريد من المقتضي في المقام ما هو الملاك لاحداث تشريع الحكم ولو لم يكن
مقتضيا لبقائه ، بل عمدة نظره إلى المقتضي لبقائه ، وحينئذ ففي الأحكام التكليفية
ليس المقتضي لبقائها إلا ما هو المقتضى لثبوتها من المصالح وبذلك أيضا يحرز
استعداد الحكم للبقاء ، إذ يستحيل استعداد للتكاليف بقاء بدون بقاء المصلحة في
متعلقه ، وطريق إحرازه ربما يكون بكيفية لسان الدليل : من كونه في مقام إثبات حكم
لموضوعه مطلقا ، بلا نظر إلى فعلية الحكم من سائر الجهات. وبعبارة أخرى : كان
الخطاب بمادتها الكاشفة عن مصلحة الحكم مطلقا وإن لم يكن من حيث الفعلية مثل هذا
الاطلاق ـ كما هو الشأن في الاحكام الاقتضائية كحلية الغنم وحرمة الخمر ـ بل ومع
فرض إطلاقنا من حيث الفعلية أيضا ، ولكن خصص مرتبة فعليته بما يشك في مصداقه ، هذا
كله في التكليفيات. وأما في الأحكام الوضعية : فلا شبهة في أن المقتضي لاحداثها من
أسبابها لا يكون مقتضيا لبقائها ، فهي من هذه الجهة نظير كثير من الأمور الخارجية
في أن العلية المحدثة كالبناء والبناء لا يكون علة مبقية ، بل بقائه مستند إلى
اقتضاء في ذاته المعبر عنه بالاستعداد ، وحينئذ مرجع الشك في المقتضى بقاء إلى
الاستعداد المزبور في جميع المقامات ، ولا أظن من أحد يريد غير هذا المعنى ، كما
لا يخفى.