الحكمية
والاستصحابات الجارية في الشبهات الموضوعية ، ففي الأول : يكون الاستصحاب من
المسائل الأصولية ، وفي الثاني : يكون من القواعد الفقهية.
وتوضيح ذلك : هو أن المسائل الأصولية
عبارة عن الكبريات التي تقع في طريق استنباط الاحكام الكلية الشرعية وبذلك تمتاز
عن مسائل سائر العلوم وعن القواعد الفقهية ، فبقولنا : « الكبريات » تخرج مسائل
سائر العلوم ، وبقولنا : « الاحكام الكلية » تخرج القواعد الفقهية.
أما
الأول : فلان مسائل سائر العلوم وإن كانت تقع
في طريق الاستنباط أيضا ، إلا أنها لا تقع في كبرى القياس ، بل إنما تلتئم منها
صغرى القياس ، حتى « علم الرجال » الذي هو أقرب العلوم إلى الاستنباط بعد علم
الأصول ، فان « علم الرجال » إنما يتكفل تشخيص الخبر الثقة عن غيره ، والواقع في
صغرى قياس الاستنباط هو خصوص الخبر الثقة لا مطلق الخبر ، فان نتيجة المسألة
الأصولية هي حجية الخبر الثقة ، كما يقال : وجوب صلاة الظهر مما أخبر به الثقة
وكلما أخبر به الثقة حجة أو يجب اتباعه ، فينتج وجوب صلاة الظهر ، وكذا مسائل سائر
العلوم ، فان علم اللغة والصرف والنحو إنما يتكفل تشخيص الظاهر عن غيره ، والمبحوث
عنه في المسألة الأصولية هو حجية الظواهر.
وبذلك يظهر : أن البحث عن ظهور الأمر
والنهي في الوجوب والحرمة لا يرجع إلى علم الأصول ، بل هو من المبادي ، كالبحث عن
أن « الصعيد » ظاهر في مطلق وجه الأرض ، وإنما ذكر في علم الأصول استطرادا ، حيث
لم يبحث عنه في علم آخر.
وبالجملة : المايز بين علم الأصول وسائر
العلوم ، هو أن مسائل سائر العلوم إنما تكون من المبادي والمعدات لاستنتاج الأحكام
الشرعية ، ولا تقع إلا في صغرى قياس الاستنباط. وأما المسألة الأصولية فهي تكون
الجزء الأخير لعلة الاستنباط وتصلح لان تقع كبرى القياس.