ثم لا يخفى : أن عدم وجوب الفحص في
الشبهات الموضوعية إنما هو فيما إذا لم تكن مقدمات العلم حاصلة بحيث لا يحتاج حصول
العلم بالموضوع إلى أزيد من النظر في تلك المقدمات ، فان في مثل هذا يجب النظر ولا
يجوز الاقتحام في الشبهة ـ وجوبية كانت أو تحريمية ـ إلا بعد النظر في المقدمات
الحاصلة ، لعدم صدق الفحص على مجرد النظر فيها [١]
إذ الفحص إنما يكون بتمهيد مقدمات العلم التي هي غير حاصلة ، فلا يجوز الأكل
والشرب اعتمادا على استصحاب الليل إذا توقف العلم بطلوع الفجر على مجرد النظر إلى
الأفق ، وكذا لا يجوز الاقتحام في المايع المردد بين كونه خلا أو خمرا إذا توقف
العلم به على مجرد النظر في الاناء أو السؤال عن الذي في جنبه.
نعم : لا يبعد القول بعدم وجوب ذلك أيضا
في خصوص باب الطهارة والنجاسة لما علم من التوسعة فيها. هذا تمام الكلام في أصل
وجوب الفحص واحكامه.
وأما
مقدار الفحص : فالظاهر أن حده
اليأس عن الظفر بالدليل فيما بأيدينا من الكتب المعتبرة ، إذ لا خصوصية للفحص عن
الاحكام ، بل حاله حال الفحص عن الموضوعات الخارجية ، والمقدار اللازم من الفحص
فيها هو حصول اليأس عن الظفر بها ، فإن العطشان يتفحص عن الماء حتى يحصل اليأس عنه
، والخائف يتفحص عما يخاف عنه إلى أن يحصل اليأس ، وهكذا سائر الموضوعات.
تذييل :
قد ذكر لأصل البراءة شرطان آخران :
[١] أقول : ولقد
أجاد فيما أفاد ، وأشرنا إليه أيضا سابقا في مسألة الطومار.