وقد اختلفت كلمات الأصحاب في ذلك ، فعن
بعض تحديدها ببلوغ الأطراف إلى حد تعسير عدها ، وزاد بعض قيد « في زمان قليل » وعن
بعض آخر إرجاعها إلى العرف ، وقد قيل في تحديدها أمور اخر لا تخفى على المتتبع ،
مع ما فيها : من عدم الانعكاس والاطراد.
والأولى أن يقال : إن ضابط الشبهة الغير
المحصورة هو أن تبلغ أطراف الشبهة حدا لا يمكن عادة جمعها في الاستعمال : من أكل
أو شرب أو لبس أو نحو ذلك [١]
وهذا يختلف حسب اختلاف المعلوم بالاجمال.
فتارة : يعلم بنجاسة حبة من الحنطة في
ضمن حقة منها ، فهذا لا يكون من الشبهة الغير المحصورة ، لامكان استعمال الحقة من
الحنطة بطحن وخبز وأكل ، مع أن نسبة الحبة إلى الحقة تزيد عن نسبة الواحد إلى
الألف.
وأخرى : يعلم بنجاسة إناء من لبن البلد
، فهذا يكون من الشبهة الغير المحصورة ولو كانت أواني البلد لا تبلغ الألف ، لعدم
التمكن العادي من جمع الأواني في الاستعمال وإن كان المكلف متمكنا من آحادها.
فليس العبرة بقلة العدد وكثرته فقط ، إذ
رب عدد كثير تكون الشبهة فيه محصورة ، كالحقة من الحنطة.
كما أنه لا عبرة بعدم التمكن العادي من
جمع الأطراف في الاستعمال فقط ، إذ ربما لا يتمكن عادة من ذلك مع كون الشبهة فيه
أيضا محصورة ، كما لو كان بعض الأطراف في أقصى بلاد المغرب ، بل لابد في الشبهة
الغير المحصورة عما تقدم في الشبهة المحصورة من اجتماع كلا الأمرين : وهما كثرة
العدد وعدم
[١] أقول : لا يخلو
هذه الضابطة أيضا عن شبهة ، لأنه ربما يتمكن عادة عن الابتلاء بالجميع بطول الزمان
وتدريج المضي من الليالي والأيام ، فلابد من أن يحدد مقدار أيضا بحيث يصدق عليه
كون كل واحد محل ابتلائه على وجه لا يصير طول الزمان منشأ لخروجه عنه ، كما لا
يخفى.