الاجتناب عن جميع
الأطراف مقدمة لترك الحرام المعلوم في البين ، وإنما يجوز رفع اليد عن مقتضاه
بمقدار ما يثبت من المانع ، والاضطرار إلى غير المعين لا يصلح أن يكون مانعا عن
وجوب ترك الحرام مطلقا ولو لم يصادف رفع الاضطرار به ، بل أقصى ما يقتضيه الاضطرار
هو جواز الاقتحام في الحرام على تقدير مصادفة ما يدفع به الاضطرار له ، لان
الضرورات تتقدر بقدرها ، ويكفي في وجوب الاجتناب عن الباقي الغير المضطر إليه
احتمال أن يكون هو الحرام المعلوم.
وتوهم : أنه ليس للمولى الترخيص في
مخالفة التكليف على تقدير دون تقدير فاسد ، فإنه لا مانع من ذلك ، فدعوى : أن
الترخيص في البعض تخييرا يلازم الترخيص في الكل مما لا شاهد عليها ، فتأمل.
كشف قناع :
لا إشكال في أن الاضطرار إلى المعين
يقتضي التوسط في التكليف.
وأما الاضطرار إلى غير المعين ففي
اقتضائه التوسط في التكليف أو التوسط في التنجيز ، إشكال.
وتوضيح ذلك : هو أن التوسط في التكليف
معناه : ثبوت التكليف الواقعي على تقدير وعدم ثبوته على تقدير آخر ، بتقييد إطلاقه
وتخصيصه بحال دون حال [١]
كما هو الشأن في تقييد كل إطلاق بقيد وجودي أو عدمي.
[١] أقول : تفسير
التوسط في التكليف بنحو يشمل الاضطرار بالمعين لو كان لاصطلاح منه فلا مشاحة في
الاصطلاح معه ، وإن كان الغرض منه الإشارة إلى ما أفاده الشيخ قدسسره في المقام فهو بمعزل عن مرامه ، بل
مرجع كلامه إلى التكليف الناقص القائم بكل واحد من الطرفين الذي هو حافظ لوجود
مرامه من جهة دون جهة ، وهو الذي كان واسطة بين نفي التكليف رأسا وبين ثبوته بقول
مطلق ، كما هو الشأن في كل طلب قائم بطرفي التخيير في الواجبات التخييرية ، كما لا
يخفى ، فتدبر فافهم ترى مثل هذا التكليف مختصا بالاضطرار بغير المعين.