فإنه لا إشكال في أن إمضاء ما بأيديهم
من الطرق وعدم ردعهم عن العمل بها يقتضي التوسعة عليهم والتسهيل لهم في عملهم ،
وهذه مصلحة نوعية يصح للشارع مراعاتها ، وإن كان رعاية ذلك يوجب تفويت بعض المصالح
الشخصية ، وكم من مصلحة نوعية قدمت على المصلحة الشخصية! وليس ذلك بعزيز الوجود في
الشرعيات بل في العرفيات.
فان
قلت : إن كانت مصلحة التسهيل على وجه يلزم من
ردع الشارع عن تلك الطرق وقوع العباد في العسر والحرج الرافعين للتكاليف ، فهذا
[١] أقول : الذي
يقتضيه التحقيق في المقام : هو أن المصلحة القائمة بالعمل إن كانت بمثابة لا يصلح
أن يزاحمه مزاحم ، فلا شبهة في أن لازمه الاستيفاء مطلقا عقلا ، فتفويت مثل هذه
المصلحة قبيح ولو لمصلحة أخرى ، ولا يقاس حينئذ بصورة فوتها من جهة العلوم
الخطائية الحاصلة قهرا ، إذ التفويت الاختياري غير الفوت القهري. وأما إن لم يكن بهذه
المثابة فلا مانع في تفويته ولو لمصلحة أخرى ، ولا ينافي ذلك أيضا كون هذه المصلحة
غير مزاحم بشيء في مقام تشريع الأحكام الذي هو مضمون خطاباته الواقعية ، إذ عدم
المانع في جعل الخطاب لا ينافي وجود المانع في إيصاله إليه أو تشريع خطاب في ظرف
عدم وصوله ، غاية الأمر يستكشف من ذلك عدم إرادته للذات بنحو يقتضي حفظ وجودها حتى
في ظرف الجهل به بعد الجزم بعدم اقتضاء الخطاب حفظ الوجود حتى في ظرف عدم وصوله
إليه ، بل غاية اقتضائه حفظه من قبل المقدمات المحفوظة في الرتبة السابقة عن الجهل
به بلا اقتضائه حفظه من قبل المقدمات المحفوظة في الرتبة اللاحقة عن الجهل به ،
فمن قبل هذه المقدمات له التفويت ولو لإبقائه على جهله أو ترخيصه في ظرف الجهل.
ولا ينافي ذلك حكم عقله بلزوم
الفحص مع تمكنه منه ، لأن العقل همه تحصيل ما أراده الشارع في مرتبة الذات ، مع أن
اقتضاء مصلحة الوجود على الإطلاق يقتضي الكشف عن الإرادة كذلك ، إلا أن يقوم قرينة
على الخلاف : من سكوت المولى من إنشائه في ظرف جهله أو ترخيصه في تركه مع فرض حكم
عقله بلزوم الفحص أو مهما يستكشف عدم إطلاق في إرادته ، كما هو الشأن في خطابه ،
وحينئذ لا يقتضي الخطابات الواقعية إلا حفظ المرام في الرتبة السابقة عن خطابه.
وأما حفظه في الرتبة اللاحقة
عن شكه بخطابه ، فلا يكون المولى بصدد حفظه ولو لمصلحة مزاحمة لاقتضاء المصلحة
القائمة بالعمل بقول مطلق ، وعليه فلا قصور في الجمع بين الخطابات الواقعية
والأحكام الظاهرية ، من دون لزوم نقض غرض ولا جمع بين الضدين ولا تفويت المصلحة
بلا مزاحم ، بل لو فرضنا قصور اقتضاء المصلحة عن حفظ ما قامت به في ظرف الشك
بخطابه ، فلا يحتاج جواز تفويت العمل في ظرف الجهل بخطابه إلى مصلحة أخرى جابرة أو
مزاحمة ، كما لا يخفى ، فتدبر في المقام ، فإنه من مزال الأقدام.