كتابنا ، فإنه قد
استقصينا الكلام فيها بما لا مزيد عليه ، إلا بعض الأمور التي تختص ذكرها هنا.
فنقول : إن الأمور التي وقع البحث عنها في
باب العلم الإجمالي كثيرة.
الأمر
الأول :
قد توهم أن العلم الذي يكون موضوعا عند
العقل في باب الطاعة والمعصية يختص بالعلم التفصيلي ولا يعم العلم الإجمالي ،
بتقريب : أن العقل إنما يستقل بقبح الإقدام على عمل يعلم أنه معصية لأمر المولى
ونهيه ، وهذا يتوقف على العلم بتعلق الأمر أو النهى بما يأتي به من العمل ، وفي
العلم الإجمالي لا يكاد يتحقق هذا المعنى ، لانه عند الاقتحام بكل واحد من أطراف
المعلوم بالإجمال لا يعلم بأن اقتحامه يكون معصية لأمر المولى أو نهيه ، لعدم
العلم بتعلق الأمر أو النهى به بخصوصه ، غايته أنه بعد الاقتحام بجميع الأطراف
يعلم بتحقق المخالفة ، والعقل لا يستقل بقبح الاقتحام على ما يعلم بعد ذلك بحصول
المخالفة ، هذا.
ولكن فساد هذا التوهم بمكان من الوضوح ،
بداهة أن العقل يستقل بقبح مخالفة التكليف المحرز الواصل إلى المكلف بأحد طرق
الوصول. ومن جملتها العلم الإجمالي ، فان التكليف في موارد العلم الإجمالي واصل
إلى المكلف ومحرز لديه ، والإجمال إنما يكون في المتعلق ، وإلا فنفس التكليف
والإلزام معلوم تفصيلا [١]
وهو على ما عليه من إجمال المتعلق يصلح لأن يكون بعثا مولوياً و
[١] أقول : بعد ما
كان المتعلق مورد الإجمال والترديد ، فقهرا التكليف المتعلق بكل منهما أيضا طرف
الترديد ، وما هو معلوم الجامع المهملة بين الشخصين المردد انطباقه على أيهما بلا
إطلاق في هذا الجامع ، فلا يقاس المقام بالتكليف بالجامع في باب التخيير ، لأن في
شخص الجامع إطلاق قابل للانطباق على أيهما ، بخلاف الجامع في المقام فإنه مهملة
غير صالح للانطباق إلا على واحد منهما ، غاية الأمر بنحو الترديد. ومن هذه الجهة
نقول : لا يصح دعوى العلم بشيء تفصيلا في موارد العلم الإجمالي ، لا في الحكم ولا
في المتعلق.