الإطاعة عقلا يرجع
بالأخرة إلى الشك في التعيين والتخيير لا الأقل والأكثر ، والأصل يقتضي التعيين ،
كما سيأتي توضحيه في محله.
ولا يقاس الشك في اعتبار شيء في كيفية
الإطاعة العقلية بالشك في اعتبار مثل قصد التعبد والوجه ، لما عرفت من أن اعتبار
مثل قصد التعبد والوجه إنما يكون بتقييد العبادة شرعا بذلك ولو بنتيجة التقييد [١] فالشك فيه يرجع إلى الشك في الأقل
والأكثر الارتباطي ، وهذا بخلاف الشك في اعتبار شيء في كيفية الإطاعة العقلية ،
فإنه يرجع إلى الشك في التعيين والتخيير [٢]
كما لو فرض الشك في كون الإمتثال التفصيلي في عرض الإمتثال
الاحتمالي أو طوله ، كما سيأتي بيانه.
الأمر
الثالث : مراتب الامتثال والإطاعة عند العقل
أربعة [٣]
[١] سيأتي في مبحث
الاشتغال أن اعتبار الامتثال التفصيلي لابد وأن يرجع إلى تقييد العبادة به شرعا
ولو بنتيجة التقييد ، ولكن مع ذلك الأصل الجاري فيه عند الشك هو الاشتغال ، لدوران
الأمر فيه بين التعيين والتخيير ( منه ).
[٢] أقول : ويمكن
إرجاع قيود الامتثال أيضا إلى الأقل والأكثر بارجاع الشك فيها أيضا إلى الشك في
دخل مرتبة زائدة من بقية المراتب من حيث دخل خصوصية زائدة في بعضها دون بعض ، مع
فرض حفظ الفاقد في ضمن الواجد. نعم : لو كان نسبتها من قبيل الكلي المتواطي ـ بنحو
لا يكون الفاقد محفوظا في ضمن الواجد ـ كان المرجع التعيين والتخيير ، فتدبر في
ملاك الفرق بين المسألتين ، وتدبر أيضا في أن ما نحن فيه من أيهما؟.
[٣] أقول : بعد ما
كان في المقام مرحلتان : أحدهما مقام إثبات التكليف بعلم ولو إجمالا أو غيره ، والآخر
مرحلة إسقاطه وامتثال ما ثبت بأي طريق وأن قطعية مرحلة الإسقاط غير مرتبط بمرحلة
إثباته ، لأنه ربما يكون المثبت للتكليف علما ولكن المسقط له ظنا ، وربما يكون
الأمر بالعكس.
فلنا حينئذ مجال السؤال بأنه
ما المراد من مراتب الامتثال؟ فإن أريد به مراتبه الناشئة عن مراتب طريقه ، فلا
يزال يكون مرتبة الامتثال قطعيا ، وإنما ظنه بظنية طريقه ، وحينئذ المراتب
المسطورة محسوبة للطريق لا الامتثال مع أنه على هذا لا يتصور الامتثال الإجمالي في
أطراف العلم الإجمالي ولا الظني ، أيضا.
وإن أريد به مراتب الامتثال
في التكليف الثابت بأي طريق ، فهو ربما يختلف ، ولكن ليس ظنيته من جهة كيفية طريقه
، بل لابد وأن يكون ظنيا بظن ثابت في هذه المرحلة ، كما هو الشأن في مرجعية الظن
بناء على التبعيض في الاحتياط ، وفي مثله لا يتصور حجية الظن على الكشف.