ما نسب إلى بعض الأخباريين أيضا : من أن
القاعدة وان اقتضت الملازمة بين حكم العقل والشرع ، إلا أنه قامت الأدلة السمعية
على منع العمل بهذه الملازمة وأنه لابد من توسيط تبليغ الحجة ، ولا عبرة بالحكم
الواصل من غير تبليغ الحجة ، ولذلك حكى عن بعض الأخباريين من المنع عن العمل بالقطع
الحاصل من المقدمات العقلية. وهذا المعنى لو تم وصحت النسبة فلابد وأن يكون ذلك
بنتيجة التقييد [١]
ـ على ما تقدم بيانه في حجية القطع ـ ولا يرد عليه إشكال عدم المعقولية إلا أن
الشأن في دلالة الأخبار المذكورة على ذلك ، فان الأخبار على كثرتها بين طوائف ثلاث
: طائفة منها ظاهرة في المنع عن الأخذ بالقياس والاستحسانات الظنية والاعتبارات
الوهمية [٢]
كما عليه العامة ، وهذا لا ربط له بما نحن فيه. وطائفة منها ظاهرة في اعتبار
الولاية في صحة العبادات [٣]
وهذا أيضا لا ربط له بما نحن فيه. وطائفة منها ظاهرة في مدخلية تبليغ الحجة [٤] وهي التي يمكن أن يستدل بها في المقام [٥] وأوقعت الأخباريين في الوهم.
والانصاف : أنه لا دلالة لها على مدعاهم
، فان الحكم الشرعي المستكشف من المستقلات العقلية يكون مما وصل إلى المكلف بتبليغ
الحجة
[١] أقول : قد تقدم
أن نتيجة التقييد على فرض تماميته ينتج عدم حصول القطع بحكم شرعي ، لا أنه مع
القطع به العقل يحكم بعدم العمل به ، أو الأخبار يوجب ردع المكلف عن العمل بهذا
العلم ـ كما هو ظاهر مقالتهم ـ وهو المعنون أيضا في كلامه هذا ، فتدبر.
[٢] و [٣] راجع
الوسائل الباب ٦ من أبواب صفات القاضي
[٥] أقول : يمكن أن
يوجه كلام الأخباري بمنع موجبية القطع الناشئ عن الخوض في العقليات لعذر العباد ـ
كالقطع أو الغفلة الناشئة عن تقصيره في المقدمات ـ وذلك لا ينافي مع حكمه بلزوم
اتباعه حين وجوده ، وبمثل ذلك أيضا أمكن توجيه كلام « الشيخ » في قطع القطاع ،
فتدبر.