المتقدمين ، وقد
عرفت أن ذلك أيضا لا يمكن بالبيان المتقدم ، فالقول باستحقاق المتجرى للعقاب من
الجهة الثالثة أيضا لا يتم.
الجهة الرابعة
: دعوى حرمة التجري من جهة قيام الإجماع ودلالة الأخبار عليه ، فيكون البحث من هذه
الجهة فقهيا ، كما أن البحث من الجهة الثالثة يكون كلاميا ، ومن الجهة الثانية
يكون أصوليا من حيثية وكلاميا من أخرى ، ومن الجهة الأولى يكون أصوليا. ولا يخفى
عليك أن البحث عن الجهة الرابعة إنما يستقيم بعد تصوير ما يمكن أن يتعلق به خطاب
شرعي ، بحيث يكون فعلا اختياريا ملتفتا إليه حتى يكون حراما شرعا ، ولا يمكن أن
يكون عنوان التجري معروض الحرمة [١]
لما تقدم من أن الالتفات إلى هذا العنوان لا يمكن ، كما لا يمكن أن يكون فعل
المتجرى به معروض الحرمة ، لما تقدم أيضا من أن العلم لا يحدث عنوانا يكون ملاكا
للحرمة ، فيقع الكلام حينئذ فيما هو معروض الحرمة وما انعقد عليه الإجماع وما دل
عليه الأخبار ، وأنه أي عنوان يكون ذلك ، ولابد أيضا أن يكون ذلك العنوان الذي
يعرض عليه الحرمة يعم كلا قسمي التجري ، وهما ما إذا قصد الحرام وأتى ببعض مقدماته
ثم عدل عن قصده بنفسه أو بصارف ـ بناء على أن يكون ذلك من التجري أيضا ـ وما إذا
قصد الحرام وجرى على طبق مقصده ثم تبين له الخلاف أو لم يتبين له ولكن كان في
الواقع مخالفا له ، فمعروض الحرمة لابد وأن يكون جامعا بين هذين القسمين ، ولا
يمكن أن يكون الجامع هو قصد المعصية لدلالة جملة من
[١] أقول : ذلك صحيح
على ما أفيد ، ولكن لمدعى الحرمة أن يدعى الحرمة للعنوان الجامع بينه وبين المعصية
من مثل « الطغيان على مولاه » غاية الأمر خرج عنه فرد المعصية بالتخصيص وبقى الحكم
لنفس العنوان المنحصر انطباقه على التجري ، وهذا المقدار أيضا لا يحتاج إلى
الالتفات بعنوان التجري. نعم : لو كان خروج الفرد من باب التقييد بغيره يحتاج أيضا
إلى الالتفات إليه ، ولكن مجرد الخروج المزبور لا يقتضي تقيدا بالفرد الآخر ، غاية
الأمر تقتضي ضيق دائرة الجامع بنحو ينحصر انطباقه على الفرد الآخر ، كما لا يخفى.