وقد
نقل عن بعض المحققين : أنه حاول تطبيق فتوى المشهور على القاعدة ، وحاصل ما
أفاده في وجه ذلك ـ بتحرير منا ـ هو أنه يعتبر في جريان البراءة أن لا يكون الشك
الذي اخذ موضوعا فيها مسبوقا بالعلم ولو آنا ما ، فان الأصول العملية كلها مغياة
بعدم العلم ومنها البراءة ، فالشك الطارئ بعد العلم لنسيان ونحوه ليس موردا
للبرائة ، بل موردهما الشك الابتدائي ، ومع احتمال سبق العلم لا تجري البراءة أيضا
، لاحتمال حصول الغاية ، فيرجع التمسك بقوله صلىاللهعليهوآله
« رفع ما لا يعلمون » مع احتمال سبق العلم ـ إلى التمسك بالعام في الشبهات
المصداقية [١]
وقد حرر في محله عدم جوازه.
وبعبارة أوضح : لا يجوز الاقتحام في
الشبهة إلا مع القطع بالمؤمن إما عقلا وإما شرعا ، ومع احتمال سبق العلم بحكم
الشبهة وتنجز التكليف لا قطع بالمؤمن ، فلا يجوز الاقتحام في الشبهة ، بل لابد من
الاحتياط ليحصل القطع بأداء الواقع والخروج عن عهدته.
وعلى هذا تكون فتوى المشهور في محلها ،
فإنه عند فوات كل فريضة لا محالة يتعلق العلم بها ، إلا إذا فرض أنه استدام نوم
المكلف أو سكره أياما متعددة فانتبه أو أفاق ولم يعلم أيام نومه وسكره ، وهذا فرض
نادر ، والغالب حصول العلم بالفائتة وقت فوتها ، فإذا تردد الفائت بين الأقل
والأكثر فبالنسبة إلى الأكثر المشكوك كما أنه يحتمل فوته كذلك يحتمل تعلق العلم
بفوته على
[١] أقول : كيف يبقى
مجال لهذا الكلام مع جزم العقل بأن العلم في كل آن منجز في حين وجوده ولا يكون
منجزا حتى بعد زواله ، كيف! ولو انقلب بالعلم بالخلاف يلزم تزاحم المنجزين ، وأي
عاقل يصدق ذلك! وحينئذ فبعد طرو الشك يبقى « قبح العقاب بلا بيان » بلا مانع ـ
كحديث الرفع وغيره ـ كما لا يخفى.
ولقد أجاد فيما أفاد في طي
كلامه ، ويا ليت! يلتزم بقاعدة القبح حتى مع جزمه بسبق العلم بعد زواله ولم يتشبث
باعتبار وصول البيان في فرض الشك بحصول العلم قبل زمانه ، إذ مثل هذه التشبثات
خارجة عن السداد ككثير من الموارد في صحة المدعى وبطلان دليله على مدعاه. فتتبع من
أول الكتاب إلى آخره ترى كثيرا ما من هذا القبيل ، وتدبر فيها.