المتعارضتين يكون
على القاعدة ، ويكون من صغريات التخيير في باب المتزاحمين فيندرج في القسم الثاني
، فان كلا من الأمارتين فقد استتبعت حكما على طبقها ، وحيث لا يمكن للمكلف الجمع
بين الحكمين في الامتثال ، لتضاد مؤداهما الذي هو منشأ التعارض ، فلا محيص عن
التخيير ، إما بتقييد الإطلاق
، وإما بسقوط الحكمين واستكشاف العقل حكما تخييريا ، لتمامية الملاك ، وذلك أيضا
واضح.
الأمر
الثاني :
كما يمكن أن يكون التكليف في عالم الجمع
والثبوت ومرحلة التشريع والحدوث مشروطا ـ كاشتراط وجوب الحج بالاستطاعة والصلاة
بالوقت ـ كذلك يمكن أن يحدث للتكليف الاشتراط في مرحلة البقاء والاستمرار بعد ما
كان مطلقا في مرحلة الحدوث والثبوت ، كما لو فرض اشتراط بقاء التكليف بالصلاة بعدم
الصيام.
وهذان الفرضان متعاكسان في جريان
البراءة والاشتغال عند الشك فيهما.
مفاده حكما تكليفيا
، ولذا ينتج من هذا التخيير بالأخرة حكما تعيينيا أو حجة تعينية ، وبذلك تمتاز عن
التخيير في الأقسام السابقة.
ولئن شئت قلت : بأنه عند عدم
سقوط الطريقين عن الحجية العقل يحكم باشتراط تعين كل واحد بالأخذ به ، فهذا
التخيير في الحقيقة جاء من قبل تحصيل الحجة التعينية بأخذه عند تساويهما ، لا أنه
حكم شرعي موجب للعقوبة على ترك الاستناد بهما ، كيف! ومع تركهما لا يستحق إلا
العقوبة على ترك الحجة التعينية ، لا على ترك الأخذ بهما.
ثم أن في هذه الجهة لا فرق
بين اعتبار الطرق من باب الطريقية أو السببية ، إذ على السببية أيضا الأخذ مقدمة تعيين
الحجة المقتضية لتعيين الحكم على وفقه ، بحيث نتيجة هذا التخيير أيضا ينتهى إلى
حكم تعييني لا حكم تخييري ، كيف! ولا يتصور التخيير بين مفاد الحجتين المتضادين
كالوجوب والحرمة ، فقهرا مثل هذا التخيير أجنبي عن التخييرات السابقة ، على السببية
، كما لا يخفى ، فتدبر.