الأمر ؛ فيكون كل من
الأمر الاستحبابي والأمر بالوفاء بالنذر قد تعلق بذات صلاة الليل ، ولمكان اتحاد
متعلقهما يكتسب كل منهما من الآخر ما كان فاقدا له ، فالأمر النذري يكتسب العبادية
من الأمر الاستحبابي ، والأمر الاستحبابي يكتسب الوجوب من الأمر النذري ، هذا إذا
اتحد متعلق الأمرين.
وأما إذا لم يتحد متعلقهما : فلا يكاد يمكن
أن يكتسب أحد الأمرين العبادية مع كونه فاقدا لها من الآخر الواجد لها ، كالأمر
بالوفاء بالإجارة إذا كان متعلق الإجارة أمرا عباديا ، كما لو أوجر الشخص على
الصلاة الواجبة أو المستحبة على الغير ، فان الأجير إنما يستأجر لتفريغ ذمة الغير
، فالإجارة إنما تتعلق بما في ذمة المنوب عنه ، وما في ذمة المنوب عنه إنما هي
الصلاة الواجبة أو المستحبة بوصف كونها مستحبة أو واجبة ، فمتعلق الإجارة إنما
تكون الصلاة بقيد كونها مستحبة على المنوب عنه لا بذات الصلاة بما هي هي ، ومتعلق
الأمر الاستحبابي إنما هو نفس الصلاة ، فلا يتحد الأمر الاستحبابي مع الأمر
الإجاري ، ومع عدم اتحاد المتعلق لا يمكن أن يكتسب الأمر الإجاري العبادية من
الأمر الاستحبابي ، كما لا يكتسب الأمر الاستحبابي وصف الوجوب من الأمر الإجاري ،
فان الأمر الاستحبابي إنما تعلق بالمنوب عنه والفعل بعد باق على استحبابه بالنسبة
إلى المنوب عنه [١]
والأمر الوجوبي إنما يتعلق بالأجير ، فلا ربط لأحدهما بالآخر حتى يكتسب أحدهما من
الآخر ما يكون فاقدا له.
[١] أقول : تصور
بقاء استحباب الفعل المنوب عنه إنما يصح في النيابة عن الأحياء ، وإلا ففي الأموات
لا معنى له ، كما أن هذا الأمر الاستحبابي لا يكون مناط تقرب النائب إذ لا معنى
لجعل أمر الغير داعيا له ، بل المناط كون العمل بنفسه من أبزار العبودية ونحو خضوع
، فالنائب يقصد بعمله هذا كونه خضوعا للمنوب عنه ، نظير تقبيل اليد عن الغير.
ولقد حققنا في محله أن قربية
العبادات النيابي منحصر بهذا البيان ليس إلا ، وحينئذ لنا أن نقول : إنه لو فرض
اتحاد متعلق الحكمين في باب الإجارة لا يكاد يكتسب الأمر الإجاري القرب من غيره ،
كيف! ولازمه تقريب النائب للمنوب عنه ، وحينئذ ليس عدم عبادية الأمر بوفاء الإجارة
من جهة صرف تعدد الأمرين ، بل مع فرض اتحادهما أيضا لا يصلح لقربية العمل للمنوب
عنه ؛ فتدبر.