إنّما هي بيان
الكبريات ، كقوله تعالى : «
حرّم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير »
وأما بيان الصغريات من كون هذا الشيء من أفراد لحم الخنزير أو لحم الغنم فليس هو
من وظيفة الشارع ، وفي الشبهات الموضوعية الكبرى المجعولة الشرعية قد وردت ووصلت
إلى المكلف وحصل العلم بها ، وإنما كانت الشبهة في الصغرى ، فلا مجال للتمسك
بقاعدة « قبح العقاب بلا بيان » بل ينبغي التمسك بقاعدة الاشتغال ، لأن العلم
باشتغال الذمة بالكبرى المجعولة المعلومة الواصلة يقتضي العلم بالفراغ عقلا ، وذلك
لا يحصل إلا بالتجنب عن موارد الشبهة.
والحاصل : أن المراد من البيان في قاعدة
قبح العقاب بلا بيان هو بيان الأحكام الكلية التي وظيفة الشارع بيانها ، وأما
الأحكام الجزئية ـ فضلا عن الموضوعات الخارجية ـ فليس من وظيفة الشارع بيانها ، بل
الأحكام الجزئية تدور مدار
تحقق موضوعاتها الخارجية في عالم التكوين ،
والمشكوك فيه أولا وبالذات في الشبهات الموضوعية إنما هو وجود الموضوع في الخارج
ويستتبعه الشك في الحكم الجزئي ، وكل منهما ليس من وظيفة الشارع بيانه ، وأما
الكبرى الكلية فقد بينها الشارع وهي واصلة إلى المكلف ، فلا مسرح لقاعدة « قبح
العقاب بلا بيان » في الشبهات الموضوعية ، بل لابد من الاحتياط فيها لقاعدة
الاشتغال.
هذا كله ، مع أنه يبقى سؤال الفرق بين
الأصول اللفظية والعملية ، وأنه كيف لا يجوز التمسك بالأصول اللفظية في الشبهات
المصداقية ويجوز التمسك بالأصول العملية فيها؟.
وأنت خبير بفساد التوهم ، فان مجرد العلم
بالكبريات المجعولة لا يكفي في تنجزها وصحة العقوبة على مخالفتها ما لم يعلم بتحقق
صغرياتها خارجا ، فان تنجز التكليف الذي عليه تدور صحة العقوبة إنما يكون بعد
فعلية الخطاب ، وفعلية الخطاب إنما يكون بوجود موضوعه خارجا في التكاليف التي لها
تعلق