فقدان النص ؛ وكذا
الكلام فيما إذا كان منشأ الشبهة إجمال النص ، لعموم الأدلة المتقدمة ، من غير فرق
بين أن يكون إجمال النص لأجل اشتراك اللفظ الدال على الحكم بين الحرمة وغيرها مع
عدم نصب قرينة معينة ـ كما لو فرض اشتراك صيغة النهى بين الحرمة والكراهة لغة
وعرفا ـ أو كان الإجمال لأجل إجمال متعلق الحكم بحسب ماله من المعنى اللغوي
والعرفي ، ك « الغناء » إذا فرض إجمال معناه وتردده بين كونه خصوص الصوت المطرب
المشتمل على الترجيع وبين كونه مطلق الصوت المطرب.
وقد يتوهم : عدم شمول أدلة البراءة
لصورة إجمال المتعلق ، لأنه قد علم تعلق التكليف بمفهوم « الغناء » وما هو واقعه ،
فلا يكون العقاب عليه بلا بيان ، ولا يندرج في قوله صلىاللهعليهوآله
« رفع ما لا يعلمون » بل يجب العلم بالخروج عما اشتغلت به الذمة من التكليف ، وذلك
لا يتحقق إلا بالاجتناب عن الأفراد المشتبهة والاحتياط بترك كل ما يحتمل كونه من
أفراد « الغناء » هذا.
ولكن لا يخفى ما فيه ، فان متعلق
التكليف ليس هو مفهوم « الغناء » بما هو مفهوم [١]
بل المفاهيم إنما تؤخذ في متعلق التكليف باعتبار كونها مرآة لما تنطبق عليها من
المصاديق ، فالنهي إنما تعلق بما يكون بالحمل الشايع الصناعي غناء ، فالمقدار الذي
علم كونه من مصاديق الغناء لا يندرج في أدلة البراءة ، وأما الزائد المشكوك فتعمه
أدلة البراءة ويندرج في قوله صلىاللهعليهوآله
« رفع ما لا يعلمون » ويشمله حكم العقل بقبح العقاب بلا بيان ، فتوهم الفرق بين
كون منشأ الشبهة فقدان النص
أو إجماله ، فاسد.
[١] أقول : قد عرفت
منا كرارا بأن الأحكام في عالم عروضها عارضة للعناوين المخزونة في الذهن ، ولكن
بنحو يرى خارجية ولا تعلق بمصاديقها خارجا ، وحينئذ الأولى في الجواب أن يقال : إن
عنوان « الغناء » الذي هو مفهومه وبإزاء لفظه إذا كان مرددا بين الأقل والأكثر ،
فبالنسبة إلى الزائد عن القدر المعلوم ما تمت الحجة ولا العلم حاصل بتعلق التكليف
به ، فيكون كلا نص فيه ، فتدبر.