قيل : إن وحدة السياق تقتضي أن يكون
المراد من « الموصول » في « ما لا يعلمون » الموضوع المشتبه ، لأن المراد من «
الموصول » فيما استكرهوا وما اضطروا وما لا يطيقون ، هو الفعل الذي استكرهوا عليه
أو اضطروا إليه أو لا يطيقونه ، فان هذه العناوين لا تعرض الأحكام الشرعية ، بل
إنما تعرض الأفعال الخارجية ، ومقتضى وحدة السياق أن يكون المراد من « الموصول »
في « ما لا يعلمون » أيضا الفعل الذي اشتبه عنوانه ، كالشرب الذي اشتبه كونه شرب
التتن أو شرب الخمر ، فيختص الحديث المبارك بالشبهات الموضوعية ولا يعم الشبهات
الحكمية ، مضافا إلى أنه لا جامع بين الشبهات الموضوعية والشبهات الحكمية بحيث
يمكن أن يراد من « الموصول » معنى يعمها ، فان المرفوع في الشبهات الحكمية إنما هو
نفس متعلق الجهل وما لا يعلمون ، وهو الحكم الشرعي [١] فاسناد الرفع إلى « الموصول » يكون من
قبيل الإسناد إلى ما هو له ، لأن « الموصول » الذي تعلق الجهل به بنفسه قابل للوضع
والرفع الشرعي. وأما الشبهات الموضوعية : فالذي تعلق الجهل به فيها أولا وبالذات
إنما هو الموضوع الخارجي وبالتبع يتعلق بالحكم الشرعي ، والموضوع
الخارجي بنفسه غير قابل للوضع والرفع الشرعي ، بل إسناد الرفع إليه يكون من قبيل
الإسناد إلى غير ما هو له ، فمع قطع النظر عن وحدة السياق كان الأولى اختصاص
الحديث
[١] أقول : محل
البحث في أن متعلق الرفع في البقية أي شيء؟ وذلك لا ينافي مع كون المرفوع بالأخرة
حكم شرعي ، فالاختلاف في المتعلق يوجب خلاف السياق. والأولى في الجواب أن يقال :
إن المراد من « الموصول » ما كان معروض وصفه حقيقة ، والفعل في الشبهات الموضوعية
ما تعلق عدم العلم بنفسه ـ كما اضطروا إليه ـ بل تعلق عدم العلم بعنوانه ، وهو أيضا
خلاف ظهور السياق ، وحينئذ الأمر يدور بين حفظ السياق من هذه الجهة فيحمل على
الحكم أو حفظ السياق من حيث إرادة الفعل من « الموصول » وارتكاب خلاف السياق من
جهة أخرى ، والعرف يرجح الأول ، فيحمل على الحكم في « ما لا يعلمون » فقط.