قد
يتوهّم : أنه بعد ما كان حكم الشبهة قبل الفحص هو الاحتياط ، فعلى الأصولي القائل
بالبرائة إقامة الدليل على انقلاب حكم الشبهة بعد الفحص
إلى البراءة والأخباري في فسحة عن ذلك.
ولكن لا يخفى عليك فساد التوهم ، فان
لزوم الاحتياط في الشبهات قبل الفحص إنما يكون بمناط تكون الشبهة فاقدة له بعد
الفحص ، فان استقلال العقل بوجوب الفحص في الشبهات إنما يكون لوجهين : أحدهما ثبوت
العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية فيما بين الشبهات. ثانيهما حكم العقل بوجوب
إعمال العبد ما تقتضيه وظيفته : من السؤال والفحص عن مرادات المولى وعدم الاعتماد
على أصالة العدم ، فان الطريقة المألوفة بين العبيد والموالي العرفية هي ذلك ـ وقد
تقدم في بعض المباحث السابقة توضيح ذلك ـ وهذان الوجهان لا يجريان بعد الفحص ،
لانحلال العلم الإجمالي بالفحص وإعمال العبد على ما تقتضيه وظيفته ، فعلى الإخباري
أيضا إقامة الدليل على اتحاد حكم الشبهة قبل الفحص وبعد الفحص ، كما أنه على
الأصولي إقامة الدليل على البراءة.
إذا عرفت ذلك ، فلنشرع فيما يتعلق
بالفصل الأول من المقام الثالث من المباحث.
المبحث الأوّل
في حكم الشك في
التكليف في الشبهة التحريمية لأجل فقدان النص.
والأقوى : أنه تجرى فيه البراءة وفاقا
لقاطبة الأصوليين خلافا لقاطبة