ولا بطريقها ، وحيث
استكشفنا من مقدمات الانسداد : أن الشارع جعل الظن في الجملة طريقا إلى إحراز
الأحكام وتردد الطريق المجعول بين أفراد الظن ، فلابد وأن يستقل العقل إما
بالتعميم لجميع أفراد الظن وإما بتعيين بعض أفراده ، ولكن حكم العقل بالتعيين
يتوقف على ثبوت معين ومرجح لبعض الأفراد في تلك المرتبة ـ أي في مرتبة استكشاف
النتيجة من المقدمات ـ وفي تلك المرتبة لم يكن ما يقتضي الترجيح والتعيين لبعض
الأفراد ، بل ترجيح البعض يتوقف على ترتيب انسداد آخر ، وهو يتوقف على بقاء
الإهمال والإجمال في الطريق المنصوب في المرتبة المتأخرة من أخذ النتيجة ، والعقل
يستقل في المرتبة السابقة بعموم النتيجة ، لأنه في تلك المرتبة لم يثبت الترجيح ،
فلا يبقى موضوع للانسداد الثاني ، فتأمل.
فتحصل : أن الوجوه الثلاثة التي ذكروها
لترجيح بعض أفراد الظنون على بعض وتخصيص النتيجة بالبعض المعين ـ ردا على ما ذكره
في وجه التعميم من عدم الترجيح لبعض الأفراد على بعض ـ كلها مخدوشة.
الوجه
الثاني : ( من وجوه التعميم ).
هو ما حكى عن بعض الأعلام : من أن
القاعدة وإن كانت تقتضي الاقتصار على مظنون الاعتبار إذا كان وافيا بمعظم الأحكام
، إلا أنه يعلم إجمالا أن في مشكوك الاعتبار وموهومه مقيدات ومخصصات لمظنون
الاعتبار ، فيجب
المقدمات في الطرق ،
إلا مع الجزم بالايكال في أحد المراتب بالمقدمة الرابعة ، فلابد حينئذ من إجراء
المقدمات إلى أن ينتهى هناك ، ومع عدم الايكال بالرابعة مطلقا ، فلابد من إجراء
المقدمات إلى أن ينتهى إلى ظن واحد أو أمارة واحدة ـ ولو لم تكن ظنا ـ أو أمارات
متساوية ، ومع عدم الانتهاء إليها فلا محيص من كون المرجع فيه الاحتياط تماما أو
تبعيضا تخييريا ، كما لا يخفى.
وحينئذ عمدة الوجه في هذا
الترتيب وتقديم بعضها على بعض بملاحظة ايكال الشرع إلى المقدمة الرابعة وعدمه في
الانسداد الأول أو مطلقا ، فتدبر فيما قلنا بعين الإنصاف.