الأولى ما يكون
واجدا للأوصاف المتقدمة وكان مفاده حجية مطلق الخبر الموثوق به ، فتكون نتيجة دليل
الانسداد هو الخبر الموثوق به ، فإنه هو المتيقن في حال الانسداد ، وحيث إنه ـ
بحمد الله ـ يفي بمعظم الأحكام ، فلا موجب لتعميم النتجية لمطلق الظن ، فتدبر
جيدا.
الوجه
الثاني : ( من الوجوه التي ذكروها لترجيح بعض
الظنون على بعض ) هو كون بعض الظنون أقوى من بعض ، فيتعين الأخذ بما هو الأقوى ،
لأنه يلزم الاقتصار في مخالفة الاحتياط ـ الذي كان هو الأصل في حال انسداد باب
العلم ـ على القدر المتيقن ، وهو ما كان الاحتمال الموافق للاحتياط فيه بعيدا.
وفيه : أن القوة والضعف من الأمور
الإضافية لا يمكن ضبط مرتبة خاصة منها على وجه يمكن الإحالة عليها في تعيين
النتيجة ، مع أن تعيين النتيجة المهملة بالقوة الضعف لا يخلو عن إشكال ، إذ من
الممكن أن يكون الشارع قد جعل الظن الضعيف حجة ولم يجعل الظن القوى حجة [١].
نعم : الترجيح بالقوة والضعف إنما
يستقيم بناء على الحكومة ، فان العقل يستقل بلزوم الأخذ بأقوى الظنون في مقام
الخروج عن عهدة التكاليف. وأما بناء على الكشف ـ كما هو مفروض الكلام ـ فلا عبرة
بالقوة والضعف ، لأن الجعل الشرعي يدور مدار ملاكه الواقعي ، وقد لا تكون القوة ملاكا
في نظر الشارع.
[١] أقول : بناء على
الكشف بأي وجه يتعين في الظن ، مع احتمال كون مناط الحجية في غيره ، وحينئذ فلا
محيص على الكشف من الالتزام بايكال الشارع ما هو مجعول لديه إلى حكم العقل بمقتضى
المقدمة الرابعة ، وحينئذ لازمه تعيين ما هو الأقرب إلى الواقع من بين الظنون أيضا
، ولا بأس بضبطه بالاطميناني الوافي بمعظم الفقه ـ كما اعترف على الحكومة ـ بل قد
أشرنا في بعض الحواشي السابقة : من أنه لا معنى على الكشف للالتزام بالإهمال مع
فرض كون النتيجة حجية الظن ، إذ لا يخلو ذلك عن تهافت ، فراجع ما فصلناه هناك.