الحاكم يتكفل معنى
لا يتكفله دليل المحكوم ولا يرد السلب والايجاب فيهما على محل واحد ، ولذلك لا
تلاحظ النسبة بين الحاكم والمحكوم ولا قوة الظهور وضعفه ، بل يقدم دليل الحاكم وإن
كانت النسبة بينهما العموم من وجه أو كان ظهوره أضعف من ظهور دليل المحكوم ، فان
ملاحظة النسبة وقوة الظهور فرع التعارض ولا تعارض بينهما ، لأن دليل الحاكم قد
يتعرض عقد وضع دليل المحكوم بإدخال ما ليس داخلا فيه ، كقوله « زيد عالم » عقيب
قوله : « أكرم العلماء » أو إخراج ما ليس خارجا عنه كقوله : « زيد ليس بعالم »
عقيب قوله ذلك ، وهو الغالب في باب الحكومات ، سواء كانت الحكومة واقعية ، كحكومة
قوله : « لا شك لكثير الشك » على قوله : « من شك من الثلاث والأربع فليبن على
الأربع » أو حكومة ظاهرية كحكومة الأمارات على الأحكام الواقعية ، وبعضها على بعض
وعلى الأصول على ما بيناه في خاتمه الاستصحاب.
وقد يكون دليل الحاكم متعرضا لعقد حمل
دليل المحكوم ، كما هو مفاد أدلة نفي الضرر والعسر والحرج ، فان الضرر والعسر
والحرج من العناوين الثانوية التي تتصف بها نفس الأحكام الشرعية : من الوضعية
والتكليفية ـ كما أوضحناه بما لا مزيد عليه ـ في رسالة لا ضرر ـ فهي بمدلولها
المطابقي تنفى الأحكام الواقعية عن بعض حالاتها ، وهي حالة كونها ضرورية أو حرجية
، فمفاد أدلة نفي الضرر والعسر والحرج نفي تشريع الأحكام الضررية والحرجية ، فلا
يعقل أن يقع التعارض بينهما وبين الأدلة المتكفلة لبيان الأحكام الواقعية
بعناوينها الأولية ، فان شمول أدلة الأحكام لحالة الضرر والعسر والحرج إنما يكون
بالإطلاق المتأخر رتبة عن أصل الجعل والتشريع ، فان الإطلاق والتقييد من الحالات
والأوصاف اللاحقة للأحكام بعد فرض وجودها وجعلها وتشريعها ، فلا يمكن أن يكون في
مرتبة الجعل والتشريع الدليل متكفلا لبيان وجود الأحكام في حال كونها ضررية أو
حرجية حتى يعارض ما دل على نفي الجعل والتشريع للأحكام الضررية والحرجية.