ولا إشكال أنهما يقتضيان عقلا نصب
الشارع طريقا موصلا إلى التكاليف لأن لا يلزم إهمالها ، ولا بد وأن يكون الطريق
المنصوب واصلا إلى العباد ، إما بنفسه وإما بطريقه ـ على ما سيأتي المراد من كون
الطريق واصلا بطريقه ـ فان الطريق الغير الواصل بنفسه وبطريقه لا يزيد حكمه عن نفس
التكاليف التي انسد باب العلم والعلمي بها ، والطريق الواصل بنفسه في حال انسداد
باب العلم والعلمي ليس هو إلا الاحتياط [١]
فإنه محرز للواقع لما فيه من الجمع بين المحتملات وإدراك الواقعيات. وليس الظن في
عرض الاحتياط ، فإنه لا يعقل أن تكون حجية الظن منجعلة بنفسها في حال من الحالات ،
كما في بعض الكلمات ، فان الحجية المنجعلة بنفسها منحصرة بالعلم ، لكونه تاما في
الكاشفية ومحرزا للواقع بنفسه ، فالظن لولا التعبد به وتتميم نقص كشفه لا يكون
محرزا للواقع ، بخلاف الاحتياط فإنه بنفسه بلا حاجة إلى التماس دليل يكون محرزا
للواقع ، فالطريق الواصل بنفسه بلا مؤنة ليس هو إلا الاحتياط [٢] وإذا بطل الاحتياط بأحد الوجوه الآتية
يتعين عقلا نصب الشارع الظن طريقا ، إذ لا طريق غيره حينئذ. هذا لو كان الوجه في
المقدمة الثانية
[١] أقول : معنى
الطريق الواصل بنفسه ما هو معلوم بنفسه طريقيته للمكلف بلا احتياج إلى طريق آخر
توصله إلى العباد ، قبال ما هو الواصل بطريقه كالطريق الذي ظن حجيته بظن علم حجية
هذا الظن لدى المكلف ، قبال ما لا يكون واصلا إلى المكلف رأسا كالطرق الواقعية
المجهولة لدى المكلف ولو تفصيلا بناء على كون المراد من الوصول التفصيلي ، وسيأتي
نتيجة هذا التفصيل عند فرض استكشاف الحجة الشرعية تعميما أو إهمالا.
وفى هذه الجهة معنى نصب
الشارع طريقا واصلا نصبه طريقا علم بجعله بنفسه بلا توسط طريق آخر ، وفي هذه الجهة
لا يتفاوت بين كون المجعول هو ايجاب الاحتياط أو حجية الظن بمعنى الوسطية ، فمن
هذه الجهة يكون حجية الظن في عرض ايجاب الاحتياط.
نعم : بينهما تفاوت من جهة
أخرى ، وهو أن الاحتياط موصل إلى الواقع بنفسه والظن لا يكون موصلا إليه بنفسه ،
وهذه الجهة غير مرتبط بالواصل بنفسه والواصل بطريقه ، قبال غير الواصل رأسا.
[٢] أقول : ما هو
منحصر بالاحتياط الطريق الموصل بنفسه ، لا الواصل بنفسه « ببين تفاوت ره از كجا
است تا به كجا! ».