فانّ المسألة لم تكن
معنونة عند العلماء أجمع ولم يقع البحث عنها في قديم الزمان عند أرباب الفتوى ،
إلا أنه يكفي الإجماع التقديري ، فإنه رب مسألة لم يقع البحث عنها في كلمات
الأصحاب ، إلا أنه مما يعلم إجماعهم واتفاقهم عليها ، فإنه لا يكاد يمكن إسناد
جواز الاعتماد على أصالة العدم وطرح جميع الأحكام في الوقايع المشتبهة إلى أحد من
أصاغر الطلبة فضلا عن أرباب الفتوى.
الثاني : انه يلزم من الرجوع إلى
البراءة وأصالة العدم في الوقايع المشتبهة الخروج عن الدين ، لقلة الأحكام
المعلومة بالتفصيل ، فالاقتصار عليها وترك التعرض للوقايع المشتبهة وإهمالها يوجب
المخالفة الكثيرة القطعية ، بحيث يعد المقتصر على امتثال المعلومات خارجا عن الدين
وكأنه غير ملتزم بشريعة سيد المرسلين صلىاللهعليهوآله
وهذا بنفسه محذور يعلم أنه مرغوب عنه شرعا ، وإن لم نقل بأن العلم الإجمالي منجز
للتكليف ـ كما هو مبنى الوجه الثالث ـ فان المخالفة القطعية الكثيرة والخروج عن
الدين بنفسه مما يقطع بكونه مرغوبا عنه عند الشارع ومخالف لضرورة الدين والشريعة ،
ويكفيك شاهدا على ذلك ملاحظة كلمات الأعلام كالسيد والشيخ ( قدس سرهما ) وغيرهما ،
فراجع « الفرائد ».
الثالث : العلم الإجمالي بثبوت التكاليف
الوجوبية والتحريمية في الوقايع المشتبهة [١]
والعلم الإجمالي كالعلم التفصيلي يقتضي وجوب الموافقة القطعية وحرمة المخالفة
القطعية ، فلا تجرى الأصول النافية للتكليف في أطرافه ،
الشأن في كثير من
الإجماعات المحتمل كون مدركهم وجها من الوجوه الجارية في المسألة ، كما لا يخفى.
[١] أقول : بعد ثبوت
محذور الخروج عن الدين وان لم يكن علم إجمالي في البين أو قلنا بعدم منجزيته رأسا
، فلا محيص من كشف مرجع في إثبات التكاليف الواقعية بالمقدار الوافي ، ومع ذلك غير
خفى بأنه لا يبقى مجال لمناط منجزية العلم الإجمالي ، لانحلاله ، وحينئذ لا يمكن
الجمع بين هذا الوجه وسابقه ، لكمال التضاد بينهما ، كما لا يخفى.