ولكن وجوب الأخذ بما
في أيدينا من الأخبار إنما هو لأجل ما تضمنتها من الأحكام الواقعية لا بما هي هي ،
فالمتعين هو الأخذ بكل ما يظن أن مضمونه حكم الله الواقعي لا خصوص ما يظن بصدوره
من الأخبار ، لأن الأخذ بمظنون الصدور إنما هو لاستلزامه الظن بالمضمون غالبا ،
ومقتضى ذلك هو اعتبار الظن بالحكم سواء حصل من الظن بالصدور أو من الشهرة والإجماع
المنقول [١].
وثالثا : أقصى ما يقتضيه هذا الدليل هو
الأخذ بمظنون الصدور من الأخبار باب التبعيض في الاحتياط ، لأن العلم الإجمالي كان
يقتضي الأخذ بجميع ما في الكتب من الأخبار ، ولمكان لزوم العسر والحرج وجب التبعيض
في الاحتياط والأخذ بخصوص مظنون الصدور ، والرواية التي كان العمل بها من باب
الاحتياط لا تكون حجية شرعية بحيث تنهض لتخصيص العمومات وتقييد المطلقات [٢] والمدعى هو كون مظنون الصدور حجة
شرعية.
وهذا الإشكال يتوجه في الانسداد الكبير
أيضا ، كما سيأتي. ولكن سنحرر ( إن شاء الله تعالى ) أن نتيجة مقدمات الانسداد لو
كانت هي التبعيض في الاحتياط كان الإشكال واردا ، وأما لو كانت النتيجة هي جعل
الشارع مظنون الصدور في المقام ومطلق الظن في الانسداد الكبير طريقا للوصول إلى
أحكامه ـ كما هو المعنى الكشف ـ فلا محالة يترتب على مظنون الصدور أو مطلق الظن
جميع ما يترتب على الحجة من نهوضها للتخصيص والتقييد وغير ذلك ، فانتظر
[١] أقول : بعد اختصاص
العلم في خصوص الأخبار فقط الذي يحكم به العقل هو الأخذ بمضمون الأخبار ، لا
بمضمون بقية الأمارات الظنية ، فتدبر.
[٢] أقول : لازم
العلم في الأخبار المثبتة خروج العمومات النافية عن الحجية ، ولازمه إجراء حكم
التخصيص والتقييد عليها. نعم : في الأخبار النافية مع العمومات المثبتة مقتضى
المختار هو العكس ، ولكن حيث مختاره من عدم جريان الأصول المثبتة أيضا في أطراف
العلم الإجمالي بنفي التكليف يجرى الكلام السابق فيها أيضاً.