ولا يتوهّم : ان هذه الأخبار من أخبار الآحاد
ولا يصح الاستدلال
بها لمثل المسألة ، فإنها لو لم تكن أغلب الطوائف متواترة معنى فلا إشكال في أن
مجموعها متواترة إجمالا ، للعلم بصدور بعضها عنهم ( صلوات الله عليهم أجمعين ).
والإنصاف : أن التتبع في هذه الأخبار
يوجب القطع باعتبار الخبر الموثوق به.
وأمّا
الإجماع : فقد ذكر في تقريره وجوه : من الإجماع
القولي ، والعملي ، وسيرة المسلمين ، وطريقة العقلاء. وينبغي أولا بيان الفرق بين
هذه الوجوه ، ثم نعقبه بصحة الاستدلال
بها ، فنقول :
أمّا
الإجماع القولي : فهو عبارة عن اتفاق
أرباب الفتوى على الفتوى بحكم فرعى أو أصولي. وطريق إحراز ذلك إنما يكون من تتبع
أقوالهم في كتبهم ورسائلهم.
وأمّا
الإجماع العملي : فهو عبارة عن عمل
المجتهدين في المسألة الأصولية ، بحيث يستندون إليها في مقام الاستنباط ويعتمدون
عليها عند الفتوى ، كإجماعهم على التمسك بالاستصحاب في أبواب الفقه ، سواء أجمعوا
على الفتوى بحجيته أيضا ، أو كان مجرد الإجماع على الاستناد إليه في مقام
الاستنباط ، غايته أنه في صورة الإجماع على الفتوى يجتمع الإجماع القولي والعملي.
فالإجماع العملي لا يكون إلا في المسائل الأصولية التي تقع في طريق الاستنباط ،
ولا معنى للإجماع العملي في المسائل الفرعية ، لاشتراك المجتهد في العمل بها مع
غيره ، وليس العمل في المسألة الفرعية من مختصات المجتهد بما أنه مجتهد ، والإجماع
الذي يكون من الأدلة إنما هو إجماع المجتهدين بما أنهم مجتهدون ، فالإجماع العملي
لا يكاد يتحقق في المسائل الفرعية ، بل يختص بالمسائل الأصولية.