وهذا الإشكال يتلو السابق في الفساد ،
فان نفس الآية تدل على ما أنذر به المنذر يكون من الأحكام ، لأن قول المنذر إذا
جعل طريقا إليها ومحرزا لها فيجب اتباع قوله والبناء على أنه هو الواقع ، كما هو
الشأن في سائر الأدلة الدالة على اعتبار الطرق والأمارات ، فان نتيجة دليل
الاعتبار كون مؤدى الطريق هو الواقع ، لا يجعل المؤدى حتى يرجع إلى التصويب [١] بل جعل الطريقية يقتضي ذلك ، ومن هنا
كانت أدلتها حاكمة على الأدلة المتكفلة للأحكام الواقعية ، فالآية بنفسها تدل على
أن ما أنذر به المنذر يكون من الأحكام الواقعية.
ومنها : ان الحذر إنما يجب عقيب الإنذار
[٢] والإنذار
ليس مطلق الإخبار عن الحكم ، بل هو الإخبار المشتمل على التخويف ، والتخويف ليس من
شأن الراوي ، بل هو من شأن المفتي والواعظ ، فالآية تدل على حجية قول المفتي لا
قول الراوي.
وفيه : أن الإنذار وإن كان هو الإخبار
المشتمل على التخويف ، إلا أنه أعم من الصراحة والضمنية [٣] فإنه يصدق الإنذار على الإخبار المتضمن
للتخويف ضمنا وإن لم يصرح به المنذر ، وإلا لم يصدق الإنذار على فتوى المفتي ،
فإنه ليس في الفتوى التصريح بالتخويف ، مع أن المستشكل سلم صدق الإنذار على الفتوى
، ولا فرق بين الفتوى والرواية في أن كلا منهما يشتمل على
[١] لا يخفى ما في
العبارة من الاضطراب ، ولعل الصحيح « لا جعل المودى واقعا » ( المصحح )
[٢] أقول : صورة
الشبهة غير مستقيم ، لان إنذار كل واحد ولو فاسقا إنذار بالحكم الواقعي كإخباره ،
والتحذر من هذا الإنذار لا يقتضي العلم بالحكم ، بل يكفي فيه حجية قوله ، كما هو
الشأن في كل خبر بشيء ، وحيث إنه ينوط باطلاق الآية من حيث الحال ، فيكون ذلك من
تبعات الإشكال السابق ، وليس إشكالا آخر متحدا معه نتيجة ، فتدبر.
[٣] أقول : عمدة نظر
المستشكل إلى احتياج الإنذار والتخويف من شخص إلى الالتفات بلازم تخويفه وبعنوانه
، ومثل هذا المعنى لا يصدق على العامي البحت الحاكي لمسموعاته من الإمام عليهالسلام فتعميم التخويف إلى الصراحة والضمنية
أجنبي عن جهة الإشكال ، كما لا يخفى.