وبذلك يمكن أن توجه مقالة الأخباريين
« من أنه لا عبرة بالعلم الحاصل من الكتاب والسنة » بأن يقال : إن الأحكام
الواقعية قيدت بنتيجة التقييد بما أدى إليها الكتاب والسنة ولا عبرة بغير ذلك. فلا
يرد عليهم : ان ذلك غير معقول ، بل شيخنا الأستاذ ( مد ظله ) نفي البعد عن كون
الأحكام مقيدة بما إذا لم يكون المؤدى إليها مثل الجفر والرمل والمنام وغير ذلك من
الطرق الغير المتعارفة.
وبما ذكرنا يرتفع ما ربما يستشكل [١] في عبارة الشيخ ( قده ) من جعله مقالة
الأخباريين من أمثله العلم المأخوذ موضوعا ، مع أنه لا يمكن أخذ العلم موضوعا
بالنسبة إلى نفس متعلقه ، فإنه بالبيان الذي ذكرنا ظهر أنه لا مانع من أخذ العلم
موضوعا بالنسبة إلى نفس متعلقه إذا كان حكما شرعيا بنتيجة التقييد.
فتحصل من جميع ما ذكرناه : أن العلم إذا
تعلق بموضوع خارجي فالعلم بالنسبة إلى ذلك الموضوع يكون طريقا محضا ، وبالنسبة إلى
أحكام ذلك الموضوع يمكن أن يكون طريقا ، ويمكن أن يكون موضوعا ، وإذا تعلق بحكم شرعي
فيمكن أن يكون بالنسبة إلى حكم آخر موضوعا ، كما أنه يمكن أن يكون موضوعا بالنسبة
إلى نفس ذلك الحكم لكن بنتيجة التقييد ، فتأمل في أطراف ما ذكرناه حتى لا تبادر
بالإشكال ، هذا كله إذا تعلق العلم بالحكم الشرعي.
وأما الأحكام العقلية : فالعلم فيها
دائما يكون موضوعا ، من غير فرق بين الإرشاديات العقلية أو مستقلاتها ، فان حكم
العقل بحسن شيء أو قبحه لا يكون إلا بعد العلم والالتفات إلى الموضوع العقلي ، فلا
يحكم العقل بقبح التصرف في مال الناس إلا بعد الالتفات إلى كونه مال الناس ، على
اختلاف الأحكام
[١] أقول : يا لله!
لو كان الأخباري نظره في ما اختاره إلى متمم الجعل يلزمه أن لا يحصل له علم من غير
الكتاب والسنة ، مع أن كلماتهم مشحونة بأنه لو حصل العلم من غيره يطرح ولا يصلح
للمعارضة مع العلم الحاصل من الكتاب والسنة ، كما أن « شيخنا العلامة » في ردهم ينادى
بأعلى صوته الاستيحاش عن هذه المعارضة وعن أنه بعد حصول العلم كيف يعقل ردعه! فلو
كان نظر « الشيخ » في المقام إلى التقييد بمتمم الجعل فلا يبقى وقع لما أورد عليهم
، فتأمل في أطراف كلماتك كي لا تغلط ما أورد عليك!!