إلى وجوبه فالاحتياط
إنما يكون واجبا نفسيا للغير لا واجبا بالغير ، ولذا كان العقاب على مخالفة
التكليف بالاحتياط عند تركه وإدائه إلى مخالفة الحكم الواقعي ، لا على مخالفة
الواقع ، لقبح العقاب عليه مع عدم العلم به ، كما أوضحناه بما لا مزيد عليه في
خاتمة الاشتغال.
فان
قلت : إن ذلك يقتضي صحة العقوبة على مخالفة
الاحتياط صادف الواقع أو خالفه ، لأن المفروض كونه واجبا نفسيا وإن كان الغرض من
وجوبه هو الوصلة إلى الأحكام الواقعية وعدم الوقوع في مفسدة مخالفتها ، إلا أن
تخلف الغرض لا يوجب سقوط الخطاب ، فلو خالف المكلف الاحتياط وأقدم على قتل المشتبه
وصادف كونه مهدور الدم كان اللازم استحقاقه للعقوبة ، لأنه قد خالف تكليفا نفسيا.
قلت
:فرق بين علل التشريع وعلل الأحكام ،
والذي لا يضر تخلفه ولا يدور الحكم مداره هو الأول ، لأنها تكون حكمة لتشريع
الأحكام ، فيمكن أن يكون تحقق الحكمة في مورد علة لتشريع حكم كلي ، وأما علة الحكم
، فالحكم يدور مدارها ولا يمكن أن يتخلف عنها ـ كما أوضحناه في محله ـ ولا إشكال
أن الحكم بوجوب حفظ نفس المؤمن علة للحكم بالاحتياط [١]
[١] أقول : بعدما
كان الحكم الواقعي علة لتشريع الاحتياط ، فمع انتفائه ينتفى تشريع الاحتياط ،
وعليه : ففي كل مورد يرد عليه الأمر بالاحتياط يتردد المكلف بين تشريع الاحتياط
وعدمه ، ولازمه ترديده بكون الأمر به حقيقيا أم صوريا ، ومع هذا الترديد كيف يدعوه
هذا الأمر على الاحتياط؟ وعليه : فلا يكون هذا الأمر موجبا للعقوبة على مخالفة
نفسه أو مخالفة الواقع ، وهذه الشبهة جارية في جميع الأوامر الطريقية.
ولنا لحل هذا الإشكال مسلكان
: أحدهما أن يقال : إن المصلحة إذا كانت مهمة بنحو لا يجوز منه المولى حتى في ظرف
الجهل بها ، فقهرا الإرادة المتعلقة به وأمره يكون تبعا لهذا الاهتمام ، ومثل هذه
الإرادة والأمر نفس احتماله منجز عقلا وخارج من موضوع قبح العقاب بلا بيان ، وأن
الأمر الطريقي كاشف عن هذا الاهتمام ، ولذا يكون منجزا للواقع عند المطابقة ، كما
أن مخالفته كاشفة عن عدم الاهتمام به ، خصوصا مع ترخيصه على خلافه ، فيكون موجبا
لعذره حتى مع فرض انفتاح بابه.
وثانيهما : أن شأن الأوامر
الطريقية بعد ما كان إبرازا للإرادة الواقعية في ظرف الجهل بها ، فمع احتمال