وبالجملة : لا نرى في دفع محذور التضاد
عند مخالفة الطرق والأمارات للواقع أقرب من القول بتأصلها في الجعل [١] هذا كله في باب الطرق والأمارات.
وأما الأصول المحرزة
: فالأمر فيها أشكل ، وأشكل منها الأصول الغير المحرزة ـ كأصالة الحل والبراءة ـ
فان الأصول بأسرها فاقدة للطريقية ، لأخذ الشك في موضوعها ، والشك ليس فيه جهة
إرائة وكشف عن الواقع ، حتى يقال : إن المجعول فيها تتميم الكشف ، فلابد وأن يكون
في مورد الأصول حكم مجعول شرعي ، ويلزمه التضاد بينه وبين الحكم الواقعي عند
مخالفة الأصل له.
هذا ، ولكن الخطب في الأصول التنزيلية
هين ، لأن المجعول فيها هو البناء العملي على أحد طرفي الشك على أنه هو الواقع
وإلغاء الطرف الآخر وجعله كالعدم [٢]
ولأجل ذلك قامت مقام القطع المأخوذ في الموضوع على
[١] أقول : علم الله!
لو خليت الاعتساف ومشيت على وفق الإنصاف وتأملت فيما ذكرناه ـ في الحاشية السابقة
بطولها ـ ترى عدم البد من الالتزام بلزوم التضاد ظاهرا بين الحكم الواقعي والظاهري
، وعدم تمامية ما أفيد في التخلص عنه.
ثم لئن أغمض عما ذكرنا وقلنا
برفع التضاد بالتقريب المزبور ، لكن يبقى في البين شبهة نقض الغرض بالتقريب الذي
بيناه في شرح كلام « ابن قبة » ولا مجال حينئذ لقياس الطرق المجعولة باليقين
الحاصل على خلاف الواقع ، إذ في أمثال اليقين انتقاض قهري ، بخلاف الطرق ، فإن في
جعلها على خلاف مرامه نقض لغرضه بالاختيار ، وهو محال.
وفي هذه الشبهة لا فرق بين أن
يكون المجعول حكما تكليفيا أم وضعيا. نعم : مثل هذا المقرر لما لم يتعرض من الأول
مثل هذه الشبهة وقصر النظر بشبهة التضاد بين الأحكام ، كان له الاقتصار في دفع
شبهته بما أفاد ، وإلا فلو فتح البصر ونظر إلى هذه الشبهة أيضا لا محيص له إلا من
الالتزام برفع اليد عن فعلية الواقع بمرتبة لا يلزم على خلافه نقض غرض ، ولا نعنى
من مراتب الحكم أيضا إلا هذا ، كما لا يخفى ، فتدبر.
[٢] أقول : لا نفهم
من هذا التعبير معنى محصلا ، إذ البناء العملي فعل المكلف ، ولا معنى لجعله ،
وأنما المجعول هو الأمر به الذي مرجعه إلى الأمر بالمعاملة مع المشكوك معاملة
الواقع ، كما هو مفاد هيئة « لا تنقض » الراجع إلى الأمر بالإبقاء في مقام العمل ،
وحينئذ مرجع الكلام إلى مفاد هذا الأمر عند المخالفة مع الإرادة