قيام الأمارة إما أن
يوجب ملاكا مزاحما لملاك الواقع وأقوى منه ، وإما أن لا يوجب ، فعلى الأول : يقتضي
إنشاء الحكم المقيد. وعلى الثاني : يقتضي إنشاء الحكم المطلق ، فأي أثر لإنشاء
الحكم الاقتضائي لو سلم إمكانه؟ [١]
وإن كان المراد من الشأنية الحكم الإنشائي ، ليرجع التعبيران إلى أمر واحد ، ففيه
: أنه ليس في الواقع أحكام إنشائية ، بل الذي يكون هو إنشاء الأحكام ، وهو عبارة
عن تشريعها وجعلها على موضوعاتها المقدرة وجودها بجميع ما اعتبر فيها من القيود
والشرائط على نهج القضايا الحقيقة ـ كما حققناه في الواجب المشروط بما لا مزيد
عليه ـ وفعلية الحكم عبارة عن تحقق موضوعه بجميع ما اعتبر فيه من القيود والشرائط
وعدم الموانع ، ولا نعقل لفعلية الحكم معنى غير ذلك ، والكلام في المقام إنما هو
بعد فعلية الحكم بتحقق موضوعه.
ودعوى : أن الحكم الواقعي في مورد
الأمارة لا يكون فعليا ، واضحة الفساد.
فإنه لا يمكن أن لا يكون الحكم فعليا
إلا إذا اخذ في موضوعه عدم قيام الأمارة على الخلاف بحيث يكون قيدا في ذلك ، ومعه
لا يكون في الواقع حكم عند قيام الأمارة على الخلاف ، لعدم تحقق قيده ، فيعود
محذور التصويب.
والحاصل : أن في الواقع ونفس الأمر ،
إما أن يكون الحكم الواقعي مقيدا بعدم قيام الأمارة على الخلاف ، وإما أن لا يكون
مقيدا ، فان كان مقيدا يلزم التصويب ، وإن لم يكن مقيدا يلزم أن يكون فعليا عند
قيام الأمارة على الخلاف إذا تحقق موضوعه بما له من القيود ـ كما هو محل الكلام ـ
فانّ الكلام
[١] أقول : يكفي لمن
التزم بالتضاد بين الحكم الواقعي الفعلي والحكم الظاهري جمعه بهذه الحيلة بينهما مع
فراره عن التصويب الباطل : من عدم حكم مجعول في حق الجاهل أصلا ، بدعواه كفاية جعل
القانون على وفق المصلحة الواقعية وإن لم يقتض المصلحة في إجرائه في حق الجاهل ،
ولقد عرفت : إمكان التفكيك بين المرتبتين لدى العقلاء ، خصوصا في أمثال زماننا.