على المقدمات
السابقة من التصديق ، والعزم ، والجزم ، ويطلق عليها الإرادة هذا.
ولكن فيه : ما فيه ، إذ دعوى ذلك لايكون
الا بدعوى ان الإرادة لها مفهوم واسع ، يسع المقدمات السابقة وما هو فعل النفس ، والحال
انه ليس كذلك ، إذ الإرادة كيفية خاصة للنفس تحدث بعد حدوث مباديها فيها ، ولذا
تسمى بالشوق المؤكد ، إذ التعبير بذلك انما هو لبيان انه ليس كل ما يحدث في النفس
يسمى بالإرادة ، بل الإرادة انما تحدث بعد التصور والتصديق وغير ذلك من مباديها ، واطلاق
الإرادة على بعض المبادئ أحيانا انما هو لمكان التسامح في توسعة المفهوم ، لا ان
المفهوم هو بنفسه موسع بحيث يشمل ذلك. فظهر : انه لا سبيل إلى دعوى الاتحاد ، بل
المغايرة بينهما عرفا أوضح من أن تخفى.
بل
لا يمكن دفع شبهة الجبر الا بذلك ، بداهة انه لو كانت الافعال الخارجية معلولة
للإرادة لكان اللازم وقوع الفعل من فاعله بلا اختيار ، بل يقع الفعل قهرا عليه ، إذ
الإرادة كما عرفت ، كيفية نفسانية تحدث في النفس قهرا بعد تحقق مباديها وعللها ، كما
أن مبادئ الإرادة أيضا تحصل للنفس قهرا ، لان التصور امر قهري للنفس ، وهو يستتبع
التصديق استتباع العلة لمعلولها وهو يستتبع العزم والإرادة كذلك استتباع العلة
لمعلولها ، والمفروض انها تستتبع الفعل الخارجي كذلك ، فجميع سلسلة العلل
والمعلولات انما تحصل في النفس عن غير اختيار ، ومجرد سبق الإرادة لا يكفي في
اختيارية الفعل. وليس كلامنا في الاصطلاح حتى يقال : انهم اصطلحوا على أن كل فعل
يكون مسبوقا بالإرادة فهو اختياري ، إذ هذا الاصطلاح مما لا يغنى عن شيء ، لان
كلامنا في واقع الامر ومقام الثبوت ، وانه كيف يكون الفعل اختياريا؟ مع أنه معلول
لمقدمات كلها غير اختيارية ، فكيف يصح الثواب والعقاب على فعل غير اختياري؟.
والحاصل : انه لو كانت الافعال
معلولة للإرادة ، وكانت
الإرادة معلولة لمباديها السابقة ، ولم يكن بعد الإرادة فعل من النفس وقصد نفساني ،
لكانت شبهة الجبر مما لا دافع لها ، ولقد وقع في الجبر من وقع مع أنه لم يكن من
أهله ، وليس ذلك الا لانكار التغاير بين الطلب والإرادة وحسبان انه ليس وراء
الإرادة شيء يكون