عن مصلحة، أو لا إرادة تشريعية في المبدأ تعالى، أو لا شدة و لا ضعف في الإرادة في مقام استيفاء الغرض الّذي لا بدّ له منه و غير ما لا بدّ له منه، فانه في جميع هذه الصور يكفى - اعتبار البعث الأكيد و غيره على طبق التحريك الخارجي - فارقاً بين الإيجاب و الاستحباب. و أمّا التحريم و الكراهة، فالإنسان إذا توجه إلى ما فيه مفسدة و ما لا يلائمه، فلا محالة تحدث في نفسه كراهة موجبة لانقباضه عنه فلا يفعله، و إذا كان ما يكرهه نفساً فعل الغير، فلا محالة يزجره عنه لتحدث في نفسه كراهة موجبة لانقباضه عنه و بقائه على عدمه. و كما ان جعل الداعي جعل ما يمكن أن يكون داعياً، بحيث لو لم يكن له داع من قبل نفسه أو كان له داع إلى خلافه يصح حدوث الداعي بسببه و زوال الداعي إلى خلافه، كذلك جعل الزاجر جعل ما يمكن أن يكون زاجراً، بحيث لا يحدث بسببه داع إلى الفعل أو يزول الداعي الموجود، فلا يلزم مساوقته لطلب الكف و عليه فطلب الترك لازم الزجر عن الفعل المقابل للبعث بنحو الفعل. و كما ان الثاني يتضمّن الإيجاد التسبيبي بالبعث، كذلك الأوّل إعدام تسبيبي بالزجر، و مع عدم البعث و الزجر لا معنى للإيجاد و الاعدام تسبيباً، حيث لا سبب يتسبب به إلى أحدهما. و مما ذكرنا في الوجوب و الاستحباب يعلم الفرق بين التحريم و الكراهة. و أمّا الإباحة و الترخيص، فمجمل القول فيها: ان المباح و إن كان لا اقتضاء، لعدم المصلحة و المفسدة فيه مطلقاً، إلا ان عدم المقتضي لازمه عدم الأحكام الأربعة لا ثبوت حكم خامس، فالإباحة عن مصلحة في نفسها، إذ كما ان الحكمة الإلهية تقتضي إيصال المصلحة بالبعث و الصدّ عن الوقوع في المفسدة بالزجر، كذلك تقتضي إرخاء العنان و الترخيص لئلا يكون العبد في الضيق صدوراً و وروداً، حيث ان رسم العبودية و زي الرقّية يقتضي صدور العبد و وروده عن رأي مولاه.