و ربّما توهّم عدم حصول الظنّ من الشّهرة بين المتأخّرين عن «الشيخ» (رحمه اللّه) بادّعاء أنّ الفقهاء بعده كلّهم مقلّدون له.
و هذه الدّعوى في غاية الغرابة، لأنّ مخالفة المتأخّرين لرأي «الشيخ» أكثر من مخالفة القدماء بعضهم لبعض بمراتب شتّى، بل بالوجدان نشاهد أنّهم في كلّ مسألة مسألة يتأمّلون، و يجتهدون، و من كثرة الملاحظة و تجديد النّظر وقع منهم اختلاف كثير في فتاواهم، بل و في كتاب واحد ربّما يفتون بفتاوى مختلفة. نعم الشّهرة بين القدماء أقوى من حيث أقربيّة العهد و إن كان المتأخّرون أدقّ نظرا، و أشدّ تأمّلا، و أزيد ملاحظة، و من هذه الجهة يظهر القوّة في شهرتهم، و من هذه الحيثيّة تكون أرجح من شهرة القدماء، فتأمّل.
ثمّ اعلم أنّهم كثيرا ما يدّعون الإجماع، و يريدون مجرّد الوفاق، لا كونه كاشفا عن رأي المعصوم أيضا، بناء على أنّه لا معنى لكون المجمع عليه قول المعصوم (عليه السلام) بل يظهرون ذلك في عباراتهم مثل أنّهم يقولون:
أجمع أهل اللّغة، أو أجمع الأصوليّون، أو اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن فلان، أو أجمعت الشيعة على العمل بروايات فلان، كما مرّ الإشارة إليها و لا يخفى أنّ مثل هذه الإجماعات تعتبر في مقام اعتبار الظّنون و الرّجحان و القوّة، إذ لا شكّ في حصولها منها من حيث كونهم من أهل الفنّ و المهارة و الخبرة و الاطّلاع، بل و أقوى من كثير من الظنون و المرجّحات، بل الخبر الّذي اتّفق الشيعة على العمل به أقوى من الصّحيح بمراتب.