وقع الكلام في انه هل يمكن النهي عن العمل بالقطع الحاصل عن غير الكتاب و السنة و الكلام يقع تارة في الصغرى و انه هل يحصل القطع بالحكم الشرعي من المقدمات العقلية ام لا، و اخرى في أنه على تقدير حصول القطع من غير الكتاب و السنة هل يمكن المنع عن العمل به ام لا فالكلام يقع في مقامين:
اما المقام الاول: فنقول حصول العلم من المقدمات العقلية يتصور على ثلاثة أقسام: القسم الاول: ان العقل يدرك مصلحة في فعل أو يدرك مفسدة في فعل فيقطع بوجوب ذلك الفعل أو بحرمة الفعل الآخر من باب تبعية الاحكام للمصالح و المفاسد و لا يخفى ان التقريب المذكور فاسد اذ لا يمكن للعقل الاحاطة على جميع الجهات و لعلّ المصلحة المدركة مزاحمة بملاك آخر يكون مانعا عن ترتب الحكم عليها و كذلك في المفسدة المدركة و مع الاحتمال المذكور لا مجال لاستكشاف الحكم الشرعي.
القسم الثاني: أن يدرك العقل حسن شيء أو يدرك قبح شيء فيكشف الحكم الشرعي من باب الملازمة بين العقل و الشرع و ان الملازمة بين الحكمين تقتضي العلم بالحكم الشرعي فنقول لا اشكال في ادراك العقل حسن بعض الاشياء و قبح بعض الاشياء الأخر و إلّا يلزم كون بعث الانبياء و الرسل لغوا، فان العقل حاكم بقبح اجراء المعجزة على يد الكاذب المدعي للنبوة و كذلك يحكم بقبح عقاب المطيع و هكذا فلا اشكال في التحسين و التقبيح عقلا لكن هذا المقدار لا يكفي لاثبات المدعى اذ مجرد حكم العقل بقبح فعل لا يمكن أن يستكشف منه انه حرام شرعا و كذلك ادراك العقل حسن فعل لا يقتضي وجوبه شرعا اذ العقل لا يحيط بجميع الجهات الواقعية فربما يدرك