والتعارض كما يمكن
أن يفرض بين دليلين لفظيين كذلك يمكن أن يفرض بين دليلين عقليين ، أو دليل عقلي
ودليل لفظي.
أما التعارض بين
دليلين عقليين ، فلا بد وأن يفرض فيهما عدم كونهما معاً قطعيين بأن يكون أحدهما أو
كلاهما ظنياً قام الدليل على حجيته تعبداً. وحينئذ ، فإن كان أحدهما قطعياً والآخر
ظنياً كان الدليل القطعي وارداً على الدليل الظني ، لأن التعارض يقع ـ في الحقيقة
ـ بين الدليل العقلي القطعي ودليل حجية ذلك الظن ، وقد أخذ في موضوع دليل الحجية
الشك ، والدليل القطعي رافع له حقيقة. وأما لو كانا ظنيين معاً ، فيرجع التعارض
بينهما إلى التعارض بين الدليلين الاجتهاديين الدالين على حجيتهما ، فلا بد من
تطبيق قواعد التعارض عليهما.
وأما التعارض بين
دليل عقلي ودليل لفظي ، فإن كان الدليل العقلي قطعياً كان وارداً على الدليل
اللفظي أيضا لعين الملاك المتقدم ، وإن كان اللفظي قطعياً والعقلي ظنياً انقلبت
النسبة وكان اللفظي وارداً على العقلي الظني ، لنفس السبب ، وإن كانا ظنيين معاً
كان التعارض في الحقيقة بين دليل حجيتهما ، فتطبق عليهما قوانين باب التعارض.
والفرق الأساسي
بين حالات التعارض في الأدلة اللفظية ، وحالات التعارض في غيرها ، أن ملاكات الجمع
العرفي ـ باستثناء الورود ـ لا تتصور في غير الأدلة اللفظية الكاشفة عن مراد
الشارع ـ على ما سوف تأتي الإشارة إليه في محله إن شاء الله تعالى ـ فإن إمكانية
الجمع العرفي في حالة تعارض عقليين ظنيين أو عقلي ظني ولفظي ظني إنما تتوقع في
رتبة دليلي الحجية للمتعارضين إذا كانا لفظيين لا في رتبة نفس المتعارضين ، وهذا
بخلاف حالة تعارض الدليلين اللفظيين ، فإنه قد تكون إمكانية الجمع العرفي بينهما
بنحو لا يستقر التعارض ولا يسري إلى دليل الحجية.