القضايا النظرية
الأخرى ، غاية الأمر : ان هذه القضايا قضايا واقعية تحققها بنفسها لا بوجودها
الخارجي نظير مقولات الإمكان والاستحالة والامتناع من مدركات العقل النظريّ هذا هو
المجمل ، وتفصيل الحال في المقام ان هنا مطلبين :
أحدهما
ـ حسن الفعل وقبحه. والآخر : استحقاق العقاب. وقد يختلط
أحدهما بالاخر فيتصور ان أحدهما عين الآخر فالقبح ما يستحق فاعله الذم والعقاب
والحسن ما يستحق عليه المدح والثواب إلا ان هذا خطأ ، فان الحسن والقبيح معناها ما
ينبغي أن يقع وما لا ينبغي كأمرين واقعيين تكوينيين من دون جاعل ، وحينئذ تارة
يطبق ذلك على فعل الإنسان نفسه فيقال انه ينبغي في نفسه أولا ينبغي ، وأخرى يطبق
على فعل الآخرين ومواقفهم تجاه فاعل القبيح فيقال ان عقابه أو ذمه مما ينبغي أو لا
ينبغي ، فاستحقاق العقاب والثواب تطبيق اخر لنفس الأمر الواقعي المدرك على مواقف
الآخرين تجاه فاعل الفعل الحسن أو القبيح فهناك قضيتان لا قضية واحدة.
اما
القضية الأولى ـ فانهم أرجعوها إلى قضية
قبح الظلم وحسن العدل ، ولكن هذه القضية رغم صحة مضمونها فيها خطأ منطقي فان قضية
الظلم قبيح يعني انه لا ينبغي والظلم عبارة عن سلب ذي الحق حقه ، وهذا يعني افتراض
ثبوت الحق في موضوع القضية وهذا الحق ليس جعليا إذ الكلام في مدركات العقل العملي
التي هي أمور واقعية بحسب هذا المسلك ، وهذا الحق الواقعي لا معنى له إلا أن يرجع
إلى ما ينبغي فعله وما لا ينبغي ، وهذا يعني ان الحكم بعدم الانبغاء مأخوذ في
الظلم الواقع موضوعا لقضية الظلم قبيح أي لعدم الانبغاء فتكون القضية بشرط المحمول
، فلا يمكن أن تكون هذه القضية إلا تجميعا للقضايا الأولية وإشارة إليها ، وإلا
فالصحيح أن يقال مثلا الخيانة قبيحة والكذب قبيح وهتك المولى قبيح وهكذا.
واما
القضية الثانية ـ فقد جعلوها عين القضية
الأولى ، وقد عرفت انها قضية أخرى موضوعها فعل العقلاء ومواقفهم تجاه من صدر منه
القبيح.
ثم ان القضية الأولى
ـ الفعل القبيح ـ قد يقع الخطأ في تشخيصه ، وهذا الخطأ قد يكون بنحو التضييق وقد
يكون بنحو التوسعة ، ونقصد بالخطإ بنحو التضييق أن يتصور عدم ثبوت القبح مع ثبوته
، والخطأ بنحو التوسعة بالعكس. وعلى كلا