وهذا التقريب من
الإشكال يتجه الجواب عنه : بأن المفهوم العام الّذي يتصوره الواضع في حالات الوضع
العام والموضوع له الخاصّ ليس هو المفهوم العام المنتزع من الخارج ابتداء فحسب ،
كمفهوم الإنسان الّذي لا يصلح أن يكون فانيا إلا في الواقع الخارجي المنتزع منه ،
بل المفهوم العام المنتزع من نفس المفاهيم الجزئية التي يراد الوضع لها فيكون من
المعقولات الثانوية ، كمفهوم الفرد من الإنسان أو الجزئي من الإنسان ونحو ذلك ،
فان هذا مفهوم منتزع عن مفهوم زيد وعمرو وخالد وهكذا ؛ وبحكم ذلك يكون صالحا لأن
يلاحظ بما هو فان في تلك المفاهيم وحاك عنها ويوضع له اللفظ بهذا اللحاظ ، فتكون
العلاقة الوضعيّة قائمة بتلك المفاهيم وبذلك يتحقق الوضع العام والموضوع له
الخاصّ.
الثاني : أن يقال
بأن كل مفهوم جامع بين الأفراد لا يعقل جامعيته بينهما إلا بأن يجرد عن كل
الخصوصيات التي يمتاز بها فرد على فرد ولا يؤخذ فيه شيء منها ، لأن طريقة انتزاع
الجامع هي إلغاء الخصوصيات وإبقاء ما به الاشتراك. وعليه ، فلا يمكن أن يكون
الجامع حاكيا عن الأفراد بخصوصياتها فكيف يستخدمه الواضع ويتوسل به للوضع للأفراد.
وإن شئت قلت : أن الجامع جزء تحليلي من الفرد والفرد هو المركب منه ومن الجزء
الآخر المميز له ولا يمكن الاكتفاء بتصور الجزء للوضع للكل ، فالوضع العام
والموضوع له الخاصّ من قبيل أن يتصور الجنس أو الفصل فيوضع اللفظ النوع ، فكما لا
يكفي تصور الجنس أو الفصل للوضع للنوع كذلك لا يكفي تصور الكلي للوضع للأفراد ،
لما عرفت من أن نسبة إلى الفرد نسبة الجزء إلى الكل.
وجواب ذلك : أن
الكلي انما يكون جزءا تحليليا بمعنى من المعاني لما هو فرده بالذات ـ كالإنسان
بالنسبة إلى زيد وعمرو ـ فان طريقة الحصول على الكلي الجامع بين أفراده بالذات هي
التجريد وفرز الخصوصيات على نحو لا يبقي إلا الحيثية المشتركة وهذا معنى كون
الجامع جزءا من الفرد ، وهذا الكلام كما يصدق على الجامع من المعقولات الأولية
كالإنسان بالنسبة إلى أفراده بالذات يصدق أيضا على الجامع من المعقولات الثانوية ـ
بحسب اصطلاح الحكيم أو المنطقي ـ كالإمكان بالنسبة إلى أفراده بالذات من الإمكانات
المتعددة ، والجزئية المقابلة للكلية إلى أفرادها بالذات من