إلا أنَّا إنَّما
نقول بأن ما بإزاء الحروف هو النسب التحليلية في موارد النسب الأولية لا النسب
الثانوية. توضيح ذلك : انَّ الذهن كما يحصل في باب المفاهيم الاسمية على معقولات
أولية تتحصل لديه من الخارج ، كمفهوم الماء والبياض ، ومعقولات ثانوية تتحصل لديه
في طول الحصول على المعقولات الأولية ، كالنوعية والجنسية ، كذلك في باب المفاهيم
الحرفية هناك نسب أولية يحصل عليها الذهن من الخارج بحيث يكون موطنها الأصلي هو
الخارج والذهن طفيلي عليها ، كالنسب المكانية والاستعلائية والابتدائية
والانتهائية ونحو ذلك ، وهناك نسب ثانوية يحصل عليها الذهن في طول معقول ذهني سابق
ويكون موطنها الأصلي هو الذهن ، كالنسبة الإضرابية والاستثنائية والتأكيدية
والعاطفة ونحو ذلك ، ففي قولنا « جاء زيد بل عمرو » هناك نسبة بين زيد وعمرو ، وهي
النسبة المصححة لانتزاع عنوان المعدول عنه من زيد والمعدول إليه من عمرو ، وهذه
النسبة موطنها الأصلي هو الذهن إذ لو قطع النّظر عن الذهن فلا معنى للإضراب في
الخارج. والحاصل : انَّ النسبة الإضرابية بروحها وحاقها يمكن قيامها في الذهن ،
خلافاً لمثل النسبة المكانية التي هي من النسب الأولية ، وعليه فمن المتصوّر قيام
نسبة واقعية إضرابية في الذهن بين طرفين متغايرين ويكون الحرف موضوعاً بإزاء هذه
النسبة.
ويتلخّص من مجموع
ما تقدّم : انَّ الحروف الواردة في مورد النسب الأولية الخارجية موضوعة بإزاء نسب
تحليلية ، وانَّ الحروف الواردة في موارد النسب الثانوية موضوعة بإزاء نسب واقعية.
ومن نتائج وضع
الحروف للنسب التحليلية كون مفادها نسبة ناقصة لا يصحّ السكوت عليها ـ على ما
سيأتي تفصيل ذلك عند الكلام حول مفاد هيئات الجمل ـ فقولنا « النار التي في الموقد
» جملة ناقصة على الرغم من اشتمالها على نسبة ، ونقصان الجملة بسبب نقصان النسبة ،
ونقصان النسبة انَّما هو بنكتة كونها تحليلية ، لأنَّ معنى النسبة التحليلية
انَّها ليست نسبة واقعية في صقع الذهن ، بل لا يوجد في صقع الذهن