الرابع : اطراد
الاستعمال من دون قرينة ، لا بمعنى الاستدلال بصحة الاستعمال مطردا بدون قرينة على
نفي المجازية ليرجع إلى التقريب الثاني ، وليرد عليه : ما تقدم من أن الاستعمال
المجازي صحيح بدون قرينة لأن القرينة مقومة لانفهام المعنى المجازي لا لصحة
استعمال اللفظ فيه ، بل بمعنى الاستدلال بشيوع الاستعمال في معنى بلا قرينة على
أنه المعنى الحقيقي ، لأن الأمر يدور بين أن تكون جميع تلك الاستعمالات الكثيرة
مجازا من دون قرينة أو حقيقة ، والمجاز بلا قرينة وإن كان استعمالا صحيحا وواقعا
خارجا ولكنه لا شك في عدم كونه مطردا وشائعا بحيث يشكل اتجاها نوعيا في
الاستعمالات ، فيكون الاطراد المذكور نافيا لاحتمال المجازية لا محالة.
الأثر العملي لعلامات
الحقيقة
قد اتضح على ضوء
مجموع ما تقدم : أن العلامة الأساسية على الوضع هي التبادر من ناحية ، وشيوع
الاستعمال من غير قرينة من ناحية أخرى.
وقد خيل لبعض
المحققين : أن علامات الحقيقة لا أثر عملي لها ، لأنها انما تبرهن على الوضع
والوضع بما هو ليس موضوعا للحجية وانما الموضوع للحجية الظهور ؛ وفي مورد يكون
الظهور ثابتا بالفعل لا حاجة بنا إلى إثبات الوضع بعلاماته لأن الظهور وجداني وهو
يكفي في الحجية سواء كان هناك وضع أو لا ، وفي مورد لا يكون الظهور فعليا ـ ولو
للاحتفاف بما يمنع عن فعلية الظهور ـ لا قيمة لإثبات الوضع لعدم كفايته في ترتب
الحجية [١].
وهذا التخيل نشأ
من عدم التمييز بين الظهور الشخصي والظهور النوعيّ ، فانا إذا التفتنا إلى التمييز
بينهما ـ كما تقدم ـ وإلى أن موضوع الحجية ابتداء هو الظهور النوعيّ ، وأن الظهور
الشخصي المساوق لوجدان الفرد انما يكون كاشفا عقلائيا عن الظهور النوعيّ ، وان
العلاقة الوضعيّة عبارة عن القرن المؤكد المستتبع لانسباق ذهن العرف